بسم الله الرحمن الرحيم (يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } العلم درجات: أولها الصمت، والثانية الاستماع، والثالثة الحفظ، والرابعة العمل، والخامسة النشر ***مروان طاهات*** يرحب بكم ويكيبيديا الموسوعة المروانية MANT

الاثنين، 19 ديسمبر 2016

قصيدة اللغة العربية تعاتب ابناءها للشاعر حافظ ابراهيم

قصيدة اللغة العربية تعاتب ابناءها للشاعر حافظ ابراهيم


رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي*** قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني *** عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي *** رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً*** وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة ٍ *** وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ

أنا البحر في أحشائه الدر كامن *** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني *** ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني *** أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً *** وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً *** فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ
أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ *** يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
ولو تَزْجُرونَ الطَّيرَ يوماًعَلِمتُمُ *** بما تحتَه مِنْ عَثْرَة ٍ وشَتاتِ
سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرة أَعْظُماً *** يَعِزُّ عليها أن تلينَ قَناتِي
حَفِظْنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتُه *** لهُنّ بقلبٍ دائمِ الحَسَراتِ
وفاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ *** حَياءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِراتِ
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً *** مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة ِ
وأسمَعُ للكُتّابِ في مِصرَ ضَجّة ً *** فأعلَمُ أنّ الصَّائحِين نُعاتي
أَيهجُرنِي قومِي-عفا الله عنهمُ *** إلى لغة ٍ لمْ تتّصلِ برواة ِ
سَرَتْ لُوثَة ُ الافْرَنجِ فيها كمَا سَرَى *** لُعابُ الأفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعة ً *** مشكَّلة َ الأَلوانِ مُختلفاتِ
إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ *** بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي
فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى *** وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي
وإمّا مَماتٌ لا قيامَة َ بَعدَهُ *** مماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بمماتِ
مناسبة القصيدة
هذه القصيدة قالها شاعر النيل " حافظ إبراهيم " مدافعا ومنا فحا عن اللغة العربية، اللغة التي
يفتخر بها العرب والمسلمون ويعتزون بها ، فهي تحفظ كتابهم وتشريعهم ،
وتعبر عن علومهم وآدابهم.. حين تعالى الهمس واللمز حولها في أوساط رسمية
وأدبية، وعلى مسمع ومشهد من أبنائها واشتد الهمس وعلا، واستفحل الخلاف
وطغى، فريق يؤهلها لاستيعاب الآداب والمعارف والعلوم الحديثة، وفريق جحود ،
يتهمها بالقصور والبلى وبالضيق عن استيعاب العلوم الحديثة.. ولكن حافظاً
الأمين على لغته الودود لها يصرخ بوجوه أولئك المتهامسين والداعين لوأدها
في ربيع حياتها بأن يعودوا إلى عقولهم ويدركوا خزائن لغتهم فنظم هذه
القصيدة يخاطب بلسانها قومه ويستثير ولاءهم لها وإخلاصهم لعرائسها
وأمجادها فيقول :

رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي ***وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني *** عقمت فلم أجزع لقول عداتي
ولدت فلما لم أجد لعرائسي *** رجالاً وأكفاءً وأدت بناتي

في هذه القصيدة شخص الشاعر اللغة العربية أي
جعلها شخصا يتكلم عن نفسه ، بل جعلها أما تنعى عقوق أبنائها لها ، وتعلن
دهشتها من أبنائها الذين يخوضون في هذا الحديث الظالم ضدها فتقول :بعدما
سمعت الضجة الكبرى والحملة الجائرة ضدي رجعت لنفسي واتهمت عقلي ولكن تبين
كذب ما يقولون ، فعلمت أنهم يريدون وأدي ، فناديت قومي واحتسبت حياتي عند
الله فيما يدخر ، فهم قد اتهموني بالعقم " ـ وهو مرض يصيب المرأة والرجل "ـ
في شبابي وليتني حقيقة عقمت فلم أجزع لقول أعدائي ، ولكنني أنا الودود
الولود تتجدد في كل عصر وزمان.. فقد ولدت الكلمات والعبارات ولكن لم أجد
لها الرجال الأكفاء " الجديرين بها الحريصين على إظهار مكنوناتها فوأدتها
وهي حية .

وسعت كتاب الله لفظاً وغاية *** وما ضقت عن آيٍ به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة *** وتنسيق أسماءٍ لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن *** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي..؟!

وما زالت اللغة تتحدث عن نفسها وتتعجب
ممن اتهمها فتقول أنا التي وسعت كتاب الله (لفظاً وغايةً)، فكيف لي اليوم
أن أضيق عما دونه كالتعبير عن وصف لآلة أو تنسيق أسماء لمخترعات التي
لا تساوي شيئا أمام ما جاء به القرآن من معان وألفاظ ، فأنا البحر الذي
كَمُن في جوفه الدر فهل ساءلوا أهل اللغة العالمين بها عن صدفاتي ..

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني *** ومنكم وإن عز الدواء أساتي
أيطربكم من جانب الغرب ناعب *** ينادي بوأدي في ربيع حياتي؟!
أرى كل يوم في الجرائد مزلقاً *** من القبر يدنيني بغير أناة!!
وأسمع للكتاب في مصر ضجةً *** فأعلم أن الصائحين نعاتي!!

في هذه الأبيات توبخ اللغة العربية أبناءها
بقولها ويحكم أفنى وتفنى محاسني ومنكم وإن قلّ الدواء أطبائي ! ، ثم
تستفهم مستنكرة أيهزكم ويفرحكم من جانب الغرب صوت الغراب الذي ينادي بدفني
حية وأنا في ربيع حياتي ؟ ، فأنا أرى في كل يوم في الجرائد زلة وخطأ يدنيني
للقبر بغير حلم ولا رفق ، وأسمع للكتاب في مصر ضجة " وتقصد الحملة الجائرة
التي قامت في مصر وهي الدعوة إلى العامية فأعلم أن هؤلاء الصائحين
والمنادين هم الذين ينقلون خبر وفاتي .

أيهجرني قومي عفا الله عنهم *** إلى لغة لم تتصل برواة؟!
سرت لوثة الافرنج فيها كما سرى *** لعاب الافاعي في مسيل فرات
فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة *** مشكلة الالوان مختلفات

ثم عادت إلى عتاب أبنائها باستفهام استنكاري يحرك القلوب فتقول أيهجرني قومي ـ
عفا الله عنهم ـ إلى لغة غريبة لا تمت ولم تتصل برواة . هذه اللغة التي
سرت فيها لوثة الافرنج أي ما داخلها من ألفاظ أجنبية كما سرى لعاب الأفاعي
في مسيل الماء الشديد العذوبة ، وهنا تشبيه ضمني حيث شبه سريان ودبيب لوثة
الأفرنج " الألفاظ الأجنبية " في اللغة وتلويثها لها كسريان ودبيب سم الأفاعي في مجرى الماء الشديد العذوبة فجاءت هذه اللغة التي يريدونها مثل الثوب الذي ضم سبعين رقعة مشكلة الألوان مختلفة .

الى معشر الكتاب والجمع حافل *** بسطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإما حياة تبعث الميت في البلى *** وتبنت في تلك الرموس رفاتي
وإما ممات لا قيامة بعده *** ممات لعمري لم يقس بممات .

وفي
نهاية القصيدة ، وبعد أن بسطت شكواها هاهي تبسط رجاءها وتقول : إلى معاشر
الكتاب والعالمين بها ، عليهم أن يؤمنوا بلغتهم العربية، وأن يلجوا أبوابها
الواسعة المفتوحة؛ ليجدوا فيها السعة والرحابة بكل جديد وعتيد، ويعودوا
إليها فيبعثوا حياتها وإمّا ممات لاقيامة بعده وتقسم أن هذا الممات لم يقس

بممات، فموت اللغة العربية يس كموت أي لغة ، فموتها هو موت للأمة الإسلامية والمسلم يعرف ذلك .