يقدّم الصندوق حزمة من القروض والتسهيلات لدوله الأعضاء بصورة ميسرة ومتفاوتة الآجال، يسبق تقديمها إجراء مشاورات مكثفة مع السلطات المسؤولة للاتفاق معها حول السياسات والإجراءات المناسبة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية. وتندرج أنواع القروض والتسهيلات المختلفة التي يوفرها الصندوق ضمن مجموعتين رئيسيتين[1]، تتمثلان في مجموعة القروض التي تسهم في معالجة الاختلالات في موازين المدفوعات، ومجموعة القروض التي توجه لدعم قطاعات اقتصادية أخرى.
تنحصر أغراض المجموعة الأولى في تصحيح الاختلالات في موازين مدفوعات الدول الأعضاء المقترضة وما يتطلبه ذلك من إصلاحات اقتصادية مرتبطة إلى حد كبير بالأوضاع الكلية للاقتصاد، مع قيام الصندوق بالتشاور والاتفاق حول عناصر هذه الإصلاحات مع السلطات المختصة. ويذكر في هذا الخصوص أن الصندوق كان قد بدأ بتوفير الدعم لهذا النوع من الإصلاحات منذ انطلاق نشاطه الإقراضي عام 1978. أما المجموعة الثانية من القروض والتسهيلات التي يوفرها الصندوق، والتي تم استحداثها لاحقاً، فهي مخصصة لدعم القطاعات والمجالات وثيقة الصلة باهتمامات الصندوق. وجاء استحداث هذه المجموعة من القروض والتسهيلات انطلاقاً من حرص الصندوق المستمر على متابعة التطورات الاقتصادية في دوله الأعضاء وأولوياتها واحتياجاتها المتغيرة، حيث يذكر أن اهتمامها قد تزايد في السنوات الأخيرة بتبني الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد لرفع معدلات النمو الاقتصادي وإدامتها، بعد أن حققت سياسات الاستقرار وإصلاح الأوضاع الاقتصادية الكلية نتائج طيبة في العديد من الدول الأعضاء.
تشمل القروض والتسهيلات التي يوفرها الصندوق في الوقت الراهن للمساعدة في تمويل العجز الكلي في موازين مدفوعات الدول الأعضاء، أربعة أنواع من القروض، تتفاوت أحجامها وشروط منحها وآجال استحقاقها، وذلك حسب طبيعة وأسباب الاختلال في ميزان المدفوعات الذي تعاني منه الدولة العضو المؤهلة للاقتراض. وتتمثل هذه القروض في التالي:
القرض التلقائي: يقدّم للمساهمة في تمويل العجز الكلي في ميزان مدفوعات الدولة العضو وبحجم لا يزيد عن 75 في المئة من اكتتابها في رأسمال الصندوق المدفوع بعملات قابلة للتحويل. ويبلغ أجل هذا القرض ثلاث سنوات، ولا يشترط للحصول عليه اتفاق الدولة العضو المقترضة مع الصندوق على برنامج تصحيحي لتخفيف العجز في ميزان المدفوعات، طالما أنه لا يوجد بذمتها قروض مشروطة عادية أو ممتدة. أما إذا ما وجدت بذمة العضو تجاه الصندوق قروض عادية أو ممتدة عند طلب القرض التلقائي، ويكون العضو قد انتهى من تنفيذ برنامج الإصلاح المرتبط بها، يقرر الصندوق بناءً على تقييم دواعي العجز الكلي بميزان المدفوعات ما إذا كان الاقتراض المطلوب سيخضع لشروط القرض التلقائي، أو للشروط المطبقة على تلك القروض حيث تتم إضافة حدوده إلى حدود القرض المشروط المعني.
القرض العادي: يقدّم للدولة العضو المؤهلة للاقتراض عندما تزيد حاجتها من الموارد عن 75 في المئة من اكتتابها المدفوع بالعملات القابلة للتحويل. يُقدم القرض عادة بحدود 100 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل، حيث يمكن توسيعه، بحد أقصى، إلى 175 في المئة بإضافة حدود القرض التلقائي. ويشترط للحصول عليه الاتفاق مع الدولة العضو المقترضة على برنامج تصحيح مالي يمتد سريانه لفترة لا تقل عن سنة. وتستهدف السياسات والإجراءات المضمنة في هذا البرنامج العمل على إعادة التوازن المالي بهدف تخفيض العجز في ميزان المدفوعات. ويشرف الصندوق على متابعة تنفيذ البرنامج، حيث يتوقف سحب الدفعات اللاحقة من القرض على التنفيذ المرضي للسياسات والإجراءات المتفق عليها، كما هو شأن كافة القروض المشروطة الأخرى. وتسدد كل دفعة من القرض العادي خلال فترة خمس سنوات من تاريخ سحبها.
القرض الممتد: يقدّم للدولة العضو المؤهلة للاقتراض في حالة وجود عجز مزمن في ميزان المدفوعات ناجم عن خلل هيكلي في اقتصادها. يشترط لتقديم القرض، الاتفاق مع الدولة العضو على برنامج تصحيح اقتصادي يغطي فترة زمنية لا تقل عن سنتين. ويقدم القرض الممتد عادة بحدود 175 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل، ويمكن توسيعه إلى 250 في المئة، كحد أقصى، بإضافة حدود القرض التلقائي. وتسدد كل دفعة منه خلال سبع سنوات من تاريخ سحبها.
القرض التعويضي: يقدّم لمساعدة الدولة العضو التي تعاني من موقف طارئ في ميزان المدفوعات، ناتج عن هبوط في عائدات صادراتها من السلع والخدمات و/أو زيادة كبيرة في قيمة وارداتها من المنتجات الزراعية نتيجة تردي مستويات الإنتاج المحلي من المحاصيل الزراعية. ويبلغ الحد الأقصى لهذا القرض، والذي يقدم بأجل ثلاث سنوات، 100 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل. ويشترط للحصول عليه أن يكون كلاً من الهبوط في الصادرات أو الزيادة في الواردات الزراعية أمراً طارئاً ومؤقتاً.
أما المجموعة الثانية التي تتعلق بالقروض والتسهيلات المتاحة لدعم عدد من القطاعات الاقتصادية فهي تشمل تسهيل التصحيح الهيكلي في القطاع المالي والمصرفي، وتسهيل التصحيح الهيكلي في قطاع مالية الحكومة، وتسهيل الإصلاح التجاري، وتسهيل النفط، وتسهيل السيولة قصيرة الأجل:
تسهيل التصحيح الهيكلي: بدأ العمل به عام 1998، حيث ركزت التسهيلات المقدمة في إطاره في المرحلة الأولى على دعم الإصلاحات التي نفذتها الدول الأعضاء المقترضة في القطاع المالي والمصرفي. وفي أعقاب التجاوب الملحوظ من الدول الأعضاء مع هذا النوع من التسهيلات بحيث أصبحت المحور الرئيسي لنشاط الإقراض بالصندوق، فقد تمت توسعة مجال نشاطه في العام 2005 ليشمل أيضاً توفير الدعم للإصلاحات المنفذة في قطاع المالية العامة. وتماشياً مع تطور الاحتياجات التمويلية للدول الأعضاء، قام الصندوق خلال عام 2009 بالفصل بين شقي التسهيل ليمكّن الدول الأعضاء المؤهلة من الحصول على قدر أكبر من التمويل في ظل كل من الشقين.
يشترط لتقديم التسهيل، أن يكون العضو المقترض قد بدأ بمباشرة جهود الإصلاح الهيكلي، وحقق قدراً معقولاً من الاستقرار الاقتصادي الكلي. ويُمنح التسهيل بعد الاتفاق على برنامج إصلاح هيكلي يشرف الصندوق على متابعة تنفيذه. وكان الصندوق قد حدد في البداية سقف هذا التسهيل بما يساوي 75 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل. وفي ضوء ما لاقى التسهيل من اهتمام من قبل الدول الأعضاء، وافق مجلس محافظي الصندوق في أبريل 2001 على رفع سقف قرض تسهيل التصحيح الهيكلي إلى 175 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل. كذلك تجدر الإشارة إلى أنه، ومن أجل إضفاء المزيد من المرونة على استخدام التسهيل، فإن مجلس المديرين التنفيذيين للصندوق وافق في مارس 2001 على تعديل أسلوب سداد القرض المقدم في إطار التسهيل، بحيث تسدد كل دفعة منه على مدى أربع سنوات من تاريخ سحبها بدلاً عن سداد كامل القرض خلال فترة أقصاها أربع سنوات من تاريخ سحب الدفعة الأولى، كما كان معمولاً به في البداية. وفي أبريل 2009، وافق مجلس محافظي الصندوق على الفصل بين سقف التسهيل للقطاع المالي والمصرفي ولقطاع مالية الحكومة ليكون السقف الفرعي لكل منهما على حدة 175 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل.
تسهيل الإصلاح التجاري: أقر مجلس محافظي الصندوق العمل به عام 2007، يستهدف توفير الدعم للدول الأعضاء لمواجهة الأعباء التي قد تترتب على سياسات وإجراءات الإصلاح التجاري، وتشجيعها على تبني الإصلاحات الضرورية لرفع قدرتها على الاستفادة من القروض التي تقدمها الأسواق الدولية بهدف تعزيز النمو وخلق فرص العمل المنتج. يقدّم التسهيل بحد أقصى قدره 175 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل، بعد الاتفاق معه على برنامج إصلاح هيكلي مناسب يشرف الصندوق على متابعة تنفيذه. وتطبّق على تسهيل الإصلاح التجاري القواعد نفسها التي تحكم أجل وسحب وسداد تسهيل التصحيح الهيكلي في القطاع المالي والمصرفي وقطاع المالية العامة.
تسهيل النفط: تمت الموافقة على إنشائه في أبريل 2007، وبدء العمل به في ديسمبر 2008، كآلية إقراض مؤقتة يستمر سريان العمل بها لمدة خمس سنوات من بدء العمل بها، وذلك بناءً على قرار مجلس المحافظين رقم (3) لسنة 2007. يستهدف التسهيل توفير الدعم للدول الأعضاء المتأثرة بالارتفاع الطارئ في أسعار المستوردات من المنتجات النفطية والغاز الطبيعي، وبما يؤدي إلى تفاقم وضع ميزان المدفوعات، و/أو تشجيع الدول المذكورة على تنفيذ الإصلاحات المناسبة التي تعزز قدرتها على مواجهة الصدمات الخارجية. وجدير بالذكر أن هذه الآلية قد تم بدء العمل بها منذ ديسمبر 2008.
يقدّم تسهيل النفط للدول المؤهلة بحد أقصى قدره 200 في المئة من الاكتتاب المدفوع بالعملات القابلة للتحويل. وعند تقديم القروض ضمن هذا التسهيل يتم التفرقة بين حالتين، الحالة الأولى، وجود عجز بميزان المدفوعات ناتج عن ارتفاع أسعار المنتجات النفطية والغاز الطبيعي. ويمكن للدولة العضو المؤهلة، في هذه الحالة، الاستفادة من موارد التسهيل بحد أقصى 100 في المئة من الاكتتاب المدفوع بالعملات القابلة للتحويل، وذلك كقرض منفصل بإجراءات مبسطة وسريعة، ولا يشترط الالتزام بالاتفاق مع الصندوق على برنامج إصلاح، بعد التثبت من وجود العجز والتشاور مع السلطات حول السياسات المتبعة لديها لمواجهته.
والحالة الثانية، رغبة الدولة العضو المؤهلة للاقتراض في إطار هذا التسهيل الاستفادة بالحد الأقصى للتسهيل وقدره 200 في المئة من الاكتتاب المدفوع بالعملات القابلة للتحويل. في هذه الحالة يكون استفادة الدولة العضو المؤهلة مشروطاً باتفاق الدولة العضو أولاً مع الصندوق على تنفيذ برنامج إصلاحي مدعوم بواحد من قروض وتسهيلات الصندوق المعتادة المخصصة لدعم البرامج الإصلاحية، والتي تشمل قروض التصحيح الاقتصادي الكلي والتسهيلات الموجهة لتمويل الإصلاحات الهيكلية القطاعية المذكورة فيما تقدم، وذلك وفقاً لأوضاعها وطبيعة احتياجاتها. ويكون استخدام هذه الموارد خاضعاً للقواعد والشروط نفسها التي يطبقها الصندوق على القرض أو التسهيل الذي يتم التعاقد عليه مع الدولة العضو. وبهذا، فإن موارد تسهيل النفط المقدمة في هذه الحالة تعتبر بمثابة توسيع لموارد القرض أو التسهيل المحدد المتفق عليه، وهو ما يعكس الرغبة في تشجيع الدول المتأثرة بارتفاع أسعار النفط وتحفيزها على القيام بالإصلاحات المطلوبة لتقليل انكشاف اقتصاداتها للصدمات الخارجية.
تسهيل السيولة قصير الأجل: أقرّ مجلس محافظي الصندوق تسهيل السيولة قصير الأجل عام 2009. يستهدف التسهيل مساعدة الدول الأعضاء التي حققت تقدماً في مجال الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية على مواجهة مشكلات مؤقتة في السيولة بسبب التطورات في الأسواق المالية العالمية. وتقدّم القروض في إطار التسهيل بإجراءات سريعة ودون اشتراط الاتفاق مع الدولة العضو المؤهلة على برنامج إصلاح. ويقدّم تسهيل السيولة قصير الأجل بحد أقصى يبلغ 100 في المئة من الاكتتاب المدفوع بعملات قابلة للتحويل. ويتم سحب مبلغ التسهيل دفعة واحدة أو على دفعات حسب رغبة الدولة العضو المقترضة، وتسدد كل دفعة منه بعد ستة أشهر من تاريخ سحبها، مع إمكانية تمديد الأجل نفسه لمرتين كحد أقصى.
[1] يُذكر أن الصندوق، وبالإضافة لهذه الأنواع من التسهيلات، كان قد وفر لدوله الأعضاء "تسهيل التجارة العربية البينية" والذي قدم في إطاره 11 قرضاً بلغت قيمتها الإجمالية 64,730 ألف د.ع.ح. ولقد تم إيقاف العمل بالتسهيل المذكور مع بداية برنامج تمويل التجارة العربية نشاطه عام 1991.