تعريف السند لغةً:
كلمة سندات جمع، ومفردها: سَنَد، ولم أجد أنها جمعت في كتب اللغة[1] على سَنَدَات، لكن الذي وجدت أنها جمعت على أَسْنَاد[2].
وكلمة (سَنَد) لها معانٍ لغوية كثيرة، نجد أن بعضها بعيد كل البعد عن المعنى المراد في البحث، فهي تطلق أحيانًا على نوع من اللباس اسمه السَّند بالفتح، وأحيانًا على مكان قريب من الهند، والسِّناد من عيوب الشِّعر[3]، لكن المعنى المراد هنا عبر عنه صاحب اللسان فقال:
وكل شيء أسندت إليه شيئًا فهو مُسند، وقد سَنَد إلى الشيء يسندُ سنودًا، واستَنَد، وتساند وأسنَد، وأسند غيره.
ويقال: ساندته إلى الشيء، فهو يتساند إليه؛ أي: أسندته إليه.
قال أبو زيد:
ساندوه حتى إذا لم يروه
شدَّ أَجْلادهُ على التسنيدِ
|
وما يُسْنَدُ إليه يسمى مِسْنَدًا ومُسْنَدًا، وجمعه المسانِدُ... ثم قال: وساندت الرجل مساندة إذا عاضدته وكانفته.
ويقال: فلان سند؛ أي: مُعتمَد.
هذا مجمل ما وجدت في كتب اللغة، والمعنى ظاهر، فكل ما استندت إليه - حسيًّا أو معنويًّا- فهو مستَنَد لي، أرجع وأعتضد به، وأعتمد عليه، وهذا المعنى هو المراد هنا في كلمة (سندات الاستثمار)، فهذه الورقة هي سند لمن أخذها يستند عليها عند مطالبته بحقوقه، والله أعلم.
ثانيًا: معنى كلمة (استثمار) في اللغة:
سبق في التمهيد عند الكلام على حقيقة الاستثمار بيان معنى كلمة (استثمار) من جهة اللغة، وأن مجمل كلام صاحب مقاييس اللغة، وتهذيب اللغة[4] وغيرهما، أن معنى كلمة استثمار يدور حول تنمية الرجل ماله، والقيام عليه، وتكثيره بالطرق والوسائل المختلفة.
تعريف سندات الاستثمار اصطلاحًا:
أ- تعريف سندات الاستثمار اصطلاحًا:
سندات الاستثمار هي نوع من المعاملات المصرفية الحديثة، والتي تقوم بها البنوك الربوية، وتسمِّيها بغير اسمها؛ تضليلاً وتمويهًا على الناس، وهي تسمى عند بعض الدول "بسندات الاستثمار"، وتسمى عند بعضها الآخر "شهادات الاستثمار"، وهو الاسم الأكثر شهرة.
ومن سماها بهذا الاسم جعل في اسمها لفظة: "استثمار"؛ لتكون أكثر قبولاً لدى البسطاء من المسلمين؛ حيث تكون أكثر قربًا من المعاملة الشرعية المقبولة (المضاربة).
وهي في حقيقتها:
وثيقة يعطيها البنك للشخص مقابل مبلغ معين من المال يعطيه الشخص للبنك، على أن يقوم البنك بدفع فوائد مالية معينة بعد فترة زمنية محدَّدة، على حسب نوع هذه الوثيقة أو الشهادة أو السند، حسب اختلاف البنك في التسمية.
ب- الفرق بين الأسهم والسندات:
والفرق بين الأسهم والسندات كما يلي:
البنوك عند تكوينها تحتاج إلى رأس مال، شأنُها في ذلك شأن أيِّ مشروع تجاري، ويتم الحصول على رأس المال بما يبذله صاحبه إذا كان فردًا، أو بطريق الاكتتاب في الأسهم إذا كان شركة مساهمة، فمثلاً: قد يكون رأس مال البنك المراد تكوينه مليون جنيه، فيُصدِر البنك 250,000 سهم، قيمة كل سهم أربعة جنيهات، وعندما يتم الاكتتاب في جميع رأس المال يصبح لدى البنك مليون جنيه يستغلها في أوجه نشاطه المصرفي، هذا بالإضافة إلى استغلال الودائع كما سيأتي - إن شاء الله.
على أنه بعد أن يبدأ البنكُ نشاطَه المصرفي، وتتسع دائرة أعماله، قد يجد أن رأس ماله وما لديه من ودائع، قد أخذ سبيله إلى الاستغلال، وأصبح البنك في أشد الحاجة إلى أموال أخرى؛ لاستغلالها في أعماله، وأوجه نشاطه؛ ولهذا يلجأ إلى طلب المال بإحدى الطرق الآتية:
1- زيادة رأس المال بإصدار أسهم جديدة، إذا كانت حاجته إلى المال دائمة بأن اتسعت دائرة أعماله، واطرد نجاحه، واحتاج إلى أموالٍ كثيرة.
2- الاقتراض بإصدار سندات، إذا كانت حاجته إلى المال وقتية تزول بعد مدة، ويطرح هذه السندات للجمهور بفائدة معينة.
3- الاقتراض من البنك المركزي، أو من غيره من البنوك الوطنية أو الأجنبية، أو من الحكومة، أو من الهيئات المختلفة بفائدة يتفق عليها[5]. انتهى.
ويستفاد من ذلك عدة أمور:
أولاً: الفرْق بشكل عام بين السهم والسند عند من يُصدرها، مما يعين على إعطاء كل منهما حكمَه اللائق به عند البحث في ذلك، على أن الكاتب قد ذكر - من خلال جدول وضعه - عشرةَ فروقٍ إلا أنها يمكن استنباطها أو أكثرها، والمهم منها من تدبر الشرح السابق العام.
ثانيًا: أن البنك لا يصدِر هذه السندات؛ لأجل المشاركة في النهضة الاقتصادية المرجوَّة في العالم الإسلامي؛ وإنما فقط عند حاجته إلى الأموال؛ ليكدِّسَها بطريق، أو آخر، من الطرق الرِّبَوية التي يسلكها، والتي تساعد بدورها على ضعف الاقتصاد؛ لدوران المال بدون أعمال مفيدة داخل العالم الإسلامي.
ثالثًا: أن الطريقة الثانية من طرق طلب البنك للمال، وهي الاقتراض بإصدار سندات، إذا كانت حاجته إلى المال وقتية هي المقصودة هنا في هذا البحث، والتي سيأتي أيضًا عند ذكر أنواعها زيادة شرح وبيان لها، وهي طريقة الاقتراض بإصدار سندات، وذلك مقابل فائدة معينة.
ج- حاجة المصارف الربوية إلى إصدارها:
عندما يحتاج البنك التجاري لرأس مال زائد عما عنده ليقوم بتمويل مشروع معين، أو لأي غرض من الأغراض الاستثمارية المتنوعة، يقوم بإصدار سندات، أو شهادات استثمارية؛ لاستحصال الأموال الخاصة، وجمعها على شكل قروض لها أرباح معينة تعطي صاحب الشهادة كل فترة زمنية محددة، ولهذه السندات، أو الشهادات، أنواع تُذكَر قريبًا.
د- مميزات هذه الشهادة وما تحققه من فوائد:
ومما سبق يُعلَم أن سندات، أو شهادات الاستثمار، لها صبغة ادخارية يستهدف المُودِع فيها استثمار ماله، ويعطي المَصرِفُ للمودِع صكًّا يمَثِّل الحق في المبلغ المُودَعِ لديه، وديعة خاضعة لنظام القروض، وغالبًا ما يكون إصدار هذه الشهادات بطلب من الدولة؛ وذلك لاستخدامها في تنفيذ خطة الدولة الاقتصادية للتنمية.
وتضع القوانين المنظِّمة لهذه الشهادات ميزاتٍ خاصةً بها، ومن أهمها:
1- ارتفاع العائد، وإعفاؤه من الضرائب؛ إذ يكون عائد هذه الشهادات مرتفعًا نسبيًّا عما عداها من أوجه الادخار الأخرى، مع إعفاء الفائدة على هذه الشهادات من جميع الضرائب ورسوم الدفعة.
2- السيولة الكاملة؛ إذ لكي يحصل المدخر على سعر الفائدة المرتفع يجب ألا يسترد قيمة الشهادة قبل انقضاء مدة طويلة منذ اكتتابه بها، غير أنه يمكنه - استثناءً في أي وقت أن يسترد قيمتها - إذا احتاج إلى ذلك - دون أي خسارة في رأس ماله، بل ومع فائدة بسيطة سعرها منخفض.
3- الضمان والأمان؛ إذ يتوفر لهذه الشهادات دائمًا ضمان كامل من جهة الدولة.
4- عدم جواز الحجز عليها.
هـ- أنواع شهادات الاستثمار:
وهذه الشهادات أو السندات ليست على وتيرة واحدة، بل لها أنواع مختلفة حسَب طبيعة الشهادة من جهة وقتها، والفوائد المترتبة عليها، ومن أنواع هذه الشهادات:
1- الشهادة ذات القيمة المتزايدة، بحيث تُضاف الفوائد التي تتحقق لكل ستة أشهر إلى أصل قيمة الشهادة، وذلك إلى أن ينتهي أجل الشهادة بعد عشر سنوات، أو إلى أن يقرر صاحبها استردادها قبل ذلك.
2- شهادات استثمار ذات عائد جارٍ، يقوم المدخر بالحصول على الفوائد المستحقة عليها أولاً بأوَّل كل ستة أشهر.
3- شهادات استثمار ذات جوائز، وهذه الشهادات لخدمة المدخرين الصغار الذين قد لا يجدون أي إغراء في سعر الفائدة؛ بسبب ضآلة مدخراتهم، وقيمة الشهادة ذاتها: جنيه مثلاً. انتهى.
وبهذا القدر يكون قد اتضح معنى شهادات أو سندات الاستثمار الاصطلاحية، وأصبحت حقيقتها واضحة إن شاء الله.
وعُرِف أيضًا من خلال ما سبق من الإيضاح أن الجهة المصدِّرة لهذه السندات هي البنوك والمصارف، أحيانًا من ذاتها، وأحيانًا من جهة إيعاز الحكومة لخدمة التنمية الاقتصادية للدولة.
وعُلِم أيضًا أن الهدف من إصدارها من جهة المودَعِ عنده هو استثمار هذه الأموال إذا تجمعت عنده في أعماله المصرفية والاستثمارية المختلفة، أما من جهة المودِعِ، وهو صاحب السند، فالهدف عنده هو الربح المقصود من فوائد هذه السندات.
وقد شمل الكلام في المطلب الثاني الكلام حول ميزات، وأنواع سندات الاستثمار؛ وذلك لأني رأيت أنَّ جَعْلَهُ من حقيقة الاستثمار الاصطلاحية أقرَبُ إلى بيان المقصود من هذه السندات، لا سيما وأن الأنواع والميزات داخلةٌ في ضمن التعريف الاصطلاحي لهذه السندات، ومُكمِّلة لمقصوده.
التكييف الفقهي لسندات الاستثمار:
لما كانت سندات الاستثمار عبارة عن وثيقة يعطيها البنك للشخص مقابل مبلغ معين من المال يعطيه الشخص للبنك، على أن يقوم البنك بدفع فوائد مالية معينة بعد فترة زمنية محددة على حسَب نوع هذه الوثيقة، أو الشهادة، أو السند، حسَب اختلاف البنوك في التسمية؛ فقد قالوا في تكييفها الفقهي: إنها إما أن تكون قرضًا مشروطًا بفائدة محددة عند العقد، أو قرضًا اشْتُرط فيه الضمان والربح المحدد، أو تكون مضاربة، وذهب بعضهم في تكييفها الفقهي أنها معاملة لم توجد في عهد التشريع، فتأخذ حكم المسكوت عنه.
وقيل أيضًا في تكييفها الفقهي:
إنها فوائد تؤخذ في الحقيقة من البنوك الخارجية، ويجوز التعامل بالربا مع الحربي عند الأحناف.
هذه تكييفات صدرت عن بعض العلماء أو المراكز العلمية أُسَجِّلها، ثم أبيِّنُ موقف الفقه الإسلامي فيها، عند بيان حكمها فيما هو قادم إن شاء الله.
[1] تهذيب اللغة للأزهري 12/363-366، لسان العرب 3/220، القاموس المحيط ص 370، مختار الصحاح ص316.
[2] لسان العرب 3/220.
[3] تهذيب اللغة 12/363.
[4] الأول لابن فارس 1/388، والثاني للأزهري 15/38.
[5] الأعمال المصرفية والإسلام ص170.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/67238/#ixzz4Jehdq9iJ