الاستثمار.. أهدافه ومزاياه
أهمية الأعمال المصرفية الاستثمارية:
"إن مَن ينظر إلى الاقتصاد في العالَم بصورةٍ عامَّة، يجد أن هناك معاركَ اقتصاديةً طاحنة إن صح التعبير، سواء فيما بين الدول المتقدمة اقتصاديًّا، أو بينها وبين الدول النامية، فكل دولة تحاول تنشيطَ أعمالها الاقتصادية ولو بضررٍ على الأعمال الخاصة بدول أخرى، ومن هنا جاء الإسلام حاثًّا على ضرورة تحريك واستثمار المال والنهي عن تكديسه، ومزاولة التجارة للنفع والانتفاع، وتحريك اقتصاد الدولة الإسلامية؛ ولذلك فإن على الدول الإسلامية الناميةِ في عصرنا الحاضر عمومًا ضرورةَ التضامن والترابطِ؛ لكي يمكنَها مواجهة تحدِّي الدول الغنيَّة، خاصة بالنسبة للقروض التي تحتاج لاقتراضها من الدول المتقدمة، وتُقدِّمها هذه الأخيرةُ عادةً بشروطٍ باهظة، وبسعر فائدة مرتفعٍ، الأمر الذي كانت نتيجتُه تراكمَ الديون على الدول النامية"[1].
ومن ناحية أخرى، فإن الصناعاتِ المختلفةَ القائمةَ في الدول الأجنبية، كانت - وما زالت - تعتمدُ وبصورةٍ كبيرة على الموادِّ الخام في البلدان الإسلامية العربية؛ مما جعل الاستثماراتِ الأجنبيةَ تتدفَّق على المنطقة العربية، لا سيما مع رُخْص الأيدي العاملة، وما يُقدِّمه أهل تلك الدول من امتيازات خاصة لهذه الدول الأجنبية؛ كالإعفاءات الضريبية وغيرها.
أهداف الاستثمار في المصرف الإسلامي:
إن من أعظم أهدافِ الاستثمار في المصرف الإسلامي محاولةَ النهوض باقتصاد الأمة الإسلامية، والمشاركة الفعَّالة في تنمية الاقتصاد؛ للتصدي للغزوِّ الاقتصادي الأجنبي المتدفِّق.
فالمال هو عصب الحياة، فهو يُشارِكُ في كافَّة المجالات بالنسبة للدولة الإسلامية، سواء منها المجالات السياسية، أو الصناعية، أو الزراعية، أو أي مجال يمسُّ واقع المسلمين، فالاهتمام بعد ذلك بالاستثماراتِ الناجحة من أبرز مُقوِّمات التقدُّم بمختلف جوانبه.
ويمكن تلخيص الفوائد للاستثمارات في المصرف الإسلامي كما يلي[2]:
1- تعاون رأس المال وخبرة العمل في التنمية الاقتصادية.
2- حصول المستثمر على الربح العادل الذي يتكافأ مع الدور الفعلي الذي أدَّاه المال في التنمية الاقتصادية.
3- تحرير الفرد من نزعةِ السلبية التي يتَّسِم بها المودع المنتظر للفائدة الربوية.
4- تنشيط عمليات التنمية في المجتمع والنهوض باقتصادياته.
ويمكن إضافة أهدافٍ للاستثمار تخصُّ عمل البنوك الإسلامية من الناحية التطبيقية، وهي كما يلي[3]:
1- تأمين السيولة الكافية للبنك، وذلك بإيجاد احتياطات تمتازُ بسهولةِ تحويلِها إلى سيولة نقدية، في الوقت نفسه العمل على تشغيل جزءٍ من الاحتياطات النَّقدية العاطلة في بعض ميادين الاستثمارات؛ وذلك بالاستثمار في الأوراق المالية (الأسهم)، والتي تُحقِّق عائدًا من طريق الأرباح التي تُحقِّقها الشركات العائدة لها هذه الأسهم.
كما أنه في الوقت نفسِه يُمكِن بيعُها عند الحاجة إلى سيولة نقدية، قد يتعرض البنك عند قيامه بالبيع لجزء من هذه الاستثمارات لتدعيمِ سيولته لمقابلة حركات السحب على الودائع - لبعض الخسائر؛ نتيجة لانخفاض الأسعار، لكن يمكن تغطيةُ هذه الخسارة من الإيرادات الأخرى.
2- تنويعُ الاستثمارات، وذلك بالقيام بالمشاركات والمضاربات في مختلف الأنشطة الاقتصادية، مع تعدُّد أساليب الاستثمار؛ بحيث تكون نسبة المخاطر أقلَّ بتغطية خسائر بعض النشاطات بأرباح النشاطات الأخرى من خلال سياسة توزيع المبالغ المخصصة للاستثمار على مختلف المجالات؛ بحيث تتوزَّع المبالغ على أوسع نطاقٍ لخدمة رجال الأعمال الذين يحتاجون إلى التمويل قصير الأجل.
3- التركيز على عمليات الاستثمار التي تساعد في تكوين الطلب على المنتجات المحلية، وفي توفير السلع الإستراتيجية، التي يُمثِّل توافرُها ضرورةً اجتماعية وسياسية؛ لهذا فإن على البنك توجيهَ جزءٍ من الأموال المتاحة في تكوين الطلب إلى هذا النوع من السلع الأساسية، لكن بشرطِ ملاحظة سهولة بيعِها وتخزينها.
4- إيجاد التوازن بين متطلبات البنك من السيولة النقدية المحتجزة، وسياسة الاحتياطات النقدية المقررة من البنك المركزي؛ لمقابلة الاحتياجات النقدية، أو لتنفيذ السياسة النقدية التي يرسمها البنك المركزي.
فمما سبق تتضح ضرورةُ المشاركة من كل مَن بيدِه المشاركة في هذه الأعمال الاستثمارية على مستوى البنوك الإسلامية والأفراد.
مزايا الاستثمار في المصارف الإسلامية:
لعل من أبرز مزايا ومحاسن الاستثمار وَفْق القواعدِ الشرعية أنه استثمارٌ فعلي يُحرِّك الأموال، ويُشارِك في النشاط الاقتصادي مشاركةً فعَّالةً، مما يكونُ له دَوْر كبير في تنمية مختلف الجوانب المفيدة تجاريًّا واقتصاديًّا للبلدان الإسلامية.
ولعل من أبرز تلك المزايا أيضًا ما تُسبِّبه تلك الطرق الاستثمارية من استقلالية اقتصادية للعالَم الإسلامي، وتفصيل مزايا استثمار المصرف الإسلامي التطبيقية كما يلي[4]:
1- مشاركة المصرف للمستثمرين في نشاطهم الإنتاجي مَدْعاةٌ لأن يُجنِّد المصرف خبرتَه الفنية في البحث عن أفضل مجالات الاستثمار، أو البحث عن أرشد الأساليب، وبذلك يتعاون رأس المال وخبرة العمل في تنمية الاقتصاد القومي.
• ويتَّفِق هذا تمامًا مع التوجيهات الإسلامية من حيث الحفاظ على رأس مال المجتمع وحسن استخدامه؛ فالمصرف إذ يُشارِك بخبرتِه وعلمه يحفظُ ثروةَ المجتمع من التعرُّض لأي تبديل، نتيجة عدم توافر الخبرة لدى مستثمر لا تتوافر لديه المتطلبات العلمية، والنظرة الفاحصة التي تحميه في ممارسة عمله، كما وأن مشاركةَ المصرف بخبرتِه أيضًا فيه رعايةُ وحماية المستثمر من مخاطرَ كان من الممكن أن يقع فيها لولا مشاركةُ المصرف له.
• وفي هذا الأسلوب الإسلامي ضمانٌ لنجاح المشروعات المقترَض من أجلها من ناحية، وأداءٌ لحق واجب للمجتمع الإسلامي من ناحية أخرى، ومزاوجةٌ بين العلم والجهد من ناحية ثالثة، تلك المزاوجة التي تخفف من العبء المادي عن المقترض.
2- صاحب المال الذي يُودِع ماله في مصرف إسلامي - يُوظِّف أمواله على أساس شركة المضاربة - سوف يحصُلُ على الربحِ العادل الذي يتكافأ مع الدَّوْر الذي أدَّاه ماله في التنمية الاقتصادية، وفي ذلك تشجيع للمسلمين على إيداع أموالهم لدى المصرف الإسلامي، ودوام استثمارها بواسطته، كما أن فيه ربطًا للمسلمين بعملية تكوين رأس المال (الإضافات الرأسمالية أو القيمة المضافة) كركنٍ أساسي في تدعيم اقتصاديات العالَم الإسلامي، وإقبالهم على مداومةِ استثمار ما لديهم من أموال، بدلاً من الاكتناز الذي تتحوَّل به الأموال إلى رأس مالٍ آسنٍ يُحرَمُ اقتصاد العالَم الإسلامي منه، قال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34].
• وعِلاوةً على ما تقدَّم، فإن المسلمين الذين كانوا يجدون حرجًا في إيداع أموالهم لدى المصارف غير الإسلامية فيكتنزونها أو يُنفِقونها إنفاقًا غير رشيد - هؤلاء سيفتحُ نظامُ المضاربةِ لهم البابَ الذي يُزِيل عن نفوسِهم الحرجَ، فينتفعون وينتفع المجتمع.
3- في تحرير أموال المسلمين من الفائدة المحدَّدة - والتي هي الربا في مجتمعنا الحالي - تخليصٌ لهم من عنصر السلبية الذي يتَّسِم به المودع الذي يودع ماله انتظارًا للفائدة، وفي هذا الإجراء إنقاذٌ لرأس المال الإسلامي من أن يودع في المصارف الأجنبية.
ولم يكن أولئك الذين ابتدعوا الفائدة وأصرُّوا على سريانها في معاملات الدول الإسلامية عابثينَ عندما ابتدعوها، ولكنهم كانوا يُرِيدون استلالَ جانب الإيجابية تدريجيًّا من نفوس المسلمين، فاتخذوا الفائدة سلاحًا يُعِينهم على ذلك، مستندين إلى نزعة النفس الإنسانية إلى حب الراحة، وكذلك ربما استنكفوا أيضًا عن أداء الزكاة، فالذي يقبَلُ أن يستقضي فائدةً وهي محرَّمة، لن يُقدِم على أداء الزكاة المفروضة؛ إذ كيف يتسنَّى له أن يُخرِج الزكاة (وهي تطهير) من مصدر تكتنفه الشبهات إن لم يكن التحريم، كما وأن حرصَه على ماله سوف يجعلُه مترددًا في إخراج الزكاة من رأس المال؛ حتى لا يعرضه للنقصان، ومن هنا كانت حكمة الرسول - عليه الصلاة والسلام - عندما أوصى باستثمار مال اليتيم؛ حتى لا تأكله الزَّكاة.
4- عدم اعتماد المصرف الإسلامي على الفرق بين سعرِ الفائدة الدائنة والمَدِينَة مَدْعاةٌ لتنشيط عمليات التنمية في المجتمع، عن طريق تجنيد المصرف لكل طاقاته وإمكانياته الفنية في استخدام الأموال التي لديه؛ وذلك لأن المصرف كجهازٍ من الأجهزة العاملة له مصاريفه ونفقاته.
وفي المصارف غير الإسلامية تتمُّ تغطيةُ هذه المصاريف من الفرقِ بين سعر الفائدة المَدِينة والدائنة، أما في المصارف الإسلامية، فإن تغطية هذه المصاريف لن تتأتَّى إلا عن طريق عائد استثماراته، وهي بذلك تكون المصدر الأكبر لتغطية هذه المصاريف؛ وذلك ما يجعل المصرف الإسلامي حريصًا كل الحرص على استكشاف مجالات الاستثمار التي تعود على المصرف بالربح المجزي، والتي تعود على المجتمع بالفائدة من ناحية أخرى.
أما الأمر الذي يفوقُ كل ذلك أهميةً، فإنه يتمثَّل في أن المصارف غير الإسلامية؛ إذ تعتمدُ على الفرق بين سعر الفائدة، تقومُ بإيداعِ الأموال المتجمِّعة لديها لدى مصارف أو مؤسسات أخرى، ولو تتبَّعنا هذه العملية، لوجدنا أن هذه الأموال تصب في النهاية في الأجهزة التي تقوم بعملية الاستثمار، والتي غالبًا ما تكون استثماراتُها في غير صالح الدول الإسلامية.
وهكذا، فإن قيام المصرف باستثماراته مباشرةً أو عن طريق المشاركة، سوف يُعِيد إلى الدول الإسلامية ما كان يتسرَّب منها من أموال.
5- يكفل نظام المشاركة النهوض باقتصاديات العالم الإسلامي؛ وذلك لأن المصرف الإسلامي لا ينظرُ إلى الفائدة على أنها المؤشِّر الأساسي لتحديد الكفاية الحدِّية لرأس المال، ولتوجيه الاستثمارات دائمًا، وإنما المُؤشِّر الأساسي لديه يكون هو الرِّبح بجانب الاعتبارات الاجتماعية الأخرى، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا به وبالاقتصاد؛ مثل العمالة، ورفاهية المجتمع، واحتياجات المجتمع الإسلامي من الإنتاج، ممثَّلة في مشروعات داخل العالم الإسلامي.
6- في أخذ المصارف الإسلامية بمبدأ المشاركة تمكينٌ للمصرف (بوصفه جهازًا اقتصاديًّا مسؤولاً عن سلامة الاقتصاد بالمجتمع الإسلامي) من القدرة على التكيُّف والتلاؤم المستمر مع التغييرات الهيكلية للاقتصاد القومي بطريقة عضوية.
كما يُصبِح كلٌّ من المصرف والمستثمرِين المسلمين قادرين على مواجهة الأزمات بصلابة، وعدم التأثر بها، الأمر الذي لا يكفُلُه نظام سعر الفائدة.
7- في المشاركة عدالةٌ في توزيع العائد بما يُسهِم في عدمِ تركيز الثروة، وفي تقليل التفاوت بين الدخول من ناحية، ويحول دون إهدار الطاقات البشرية الإنتاجية من ناحية أخرى.
وقد تُؤدِّي ظروفٌ اجتماعية أو اقتصادية خارجةٌ عن إرادة الفردِ إلى أن تتضاعَف أرباح مشروعٍ بعينه، وينشأ عن ذلك - في حالة الإقراض بفائدة - أن ينتفع مَن لا يستحق بأكثر مما يستحق، أو على العكس من ذلك، قد تؤدي إلى أن تهبط أرباح مشروع بعينه، وينشأ عن ذلك - في حالة الإقراض بفائدة - أن يتحمَّل غير المتسبب غُرْمًا لا يدَ له فيه، ويَحُول إقامة نظام المشاركة دون أيٍّ من الأمرين المتقدمين؛ إذ العدالة في صميمها تشييع للغُنم والغُرم.
8- إن عائد المشاركة أوفر ولا شك من عائدِ سعر الفائدة الثابت؛ الأمر الذي يعود بالنفع على المصرف في قدرتِه على تغطيةِ مصاريفه الإدارية في أقل وقت من ناحية، وعلى المودعين بالمصرف من ناحية أخرى.
[1] المصارف والأعمال المصرفية ص150.
[2] ص 182 البنوك الإسلامية؛ للدكتور عبدالله الطيار.
[3] ص289 بنوك تجارية بدون ربا؛ د. محمد عبدالله الشباني.
[4] من ص 430 إلى ص 433 المصارف والأعمال المصرفية.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/67925/#ixzz4JehxbOv5