(1)
إنَّ طرق التدريس تَنْبني على فلسفات تربويَّة عامَّة، ونظرياتٍ تعليميَّة تعلُّمية تُنتجها هذه الفسلفات التي توائم زمنَها وما فيه من منجزاتٍ وإشكالات.
وإنَّ عصرنا يتَّسم بثورةِ المعلومات المتاحة المبذُولة لمن يَقدر على الوصول إليها؛ لذا صار هدف التَّعليم ليس إكسابَ المعلومات؛ بل إِكساب طُرق البحث عن المعلومات والوصولِ إليها، وكيفيات ذلك.
وأدَّى ذلك إلى ظهور الاتِّجاه الذي يركِّز في تعلُّم كيفية التعلم لا في التعلُّم ذاتِه، فظهرت البنائيَّة التي ترى أنَّ المعلومة تستقر عندما تدخل على معلوماتٍ موجودة قبلاً في ذِهن المتعلِّم تُجَانِسُها، فتحدث إزاحات وخَلْخلات، ثم تُحدِث التماثلَ والتجانس والتقارب بين القديمِ والجديد، فيَحدث الاستقرار، ويبقى أَثَر التعلُّم، وينتقل في التطبيقات نتيجة الإتقان التعلُّمي ويُعمم.
والمخُّ في هذا كالحاسوب الذي تُجري عليه أمر defragment، فيُعاد ترتيب الأشياء على وَفق ما بينها من صلاتِ تقارب، وإنَّ الدَّمج بين التقنية وعلم النَّفس والتربية أَنتجَ علمَ توزيع المعلومات الذي أدَّى إلى وجود علم النَّفس المعرفي الذي تصدَّر الكلامُ ببعض خصائصه.
ومن هذه الطرق التعليميَّة التعلُّمية التي تُحدِث تعلُّمًا بنائيًّا ذا معنًى طريقةُ حلِّ المشكلات التي تحاول أن تمهِّد لنفسها، حتى لا تفرز تعلُّمًا آليًّا لا يَثبت ولا يَستقر، ولا ينتقل أثرُه ولا تعمَّم نتائجُه.
فما المشكلة؟
إنَّها توتُّرٌ عقلِي أو نفسي يعتري الفردَ نتيجة تعرُّضه لموقفٍ يحول بينه وبين هدفٍ ما مِن أهدافه، فلا يستطيع الوصولَ إليه، فيحفِّزه ذلك إلى أن يسلُك مسالك شتَّى؛ للتغلُّب على ذلك.
وهذا يحدث في كلِّ مجالات الحياة وفي أحايينَ كثيرة، لكنَّ المرء لا يُعنى ببَذْل الجهد إلاَّ مع تلك الإشكالات المتَّصفة بالحيلولَة بينه وبين هدفه وطموحه.
وعلى الرغم من شيوعِ ذلك تجد كتبًا كثيرة تقرن طريقةَ حلِّ المشكلات بالعلومِ والرياضة والمنطق، وكأنَّ بقيَّة المواد - بما فيها اللُّغة العربية - ليسَت صالحة لذلك؛ وهذا غيرُ صحيح.
وتتعجَّب من تلك الكتب التي تعرِّف المشكلةَ بأنَّها سؤال لا يَجِد إجابةً، أو غموض لا يَجد كشفًا؛ مما يجعل أيَّ سؤالٍ يوقِف المتعلِّم موقف التفكير للوصول إلى معرفة غير متاح آنيًّا - مشكلة اصطلاحًا.
ويزداد عجبك عندما تجد كتبَ طرقِ تدريس اللُّغة العربيَّة تخلو من التمثيل لمختلف طُرق التدريس العامَّة، وتجدها تقتصر على إفراد علومِ اللُّغة العربيَّة بملحوظات وتقريرات لا تفيد المعلِّمَ طرق التدريس الرئيسة التي تُوجد في كتب طُرق التدريس العامَّة غير المختصَّة بمادة ما من المواد.
(2)
إذا كانت المشكلةُ كما سبق آنفًا، فما إستراتيجية حلِّ المشكلات؟
إنَّها طريقة التفكير العِلمي الذي يمثِّل المنهجَ العلميَّ الذي ينهض على تصوُّرٍ عَقْلي يحتوي على خطوات وإجراءات محدَّدة سلفًا؛ بُغية تخطِّي الحاجز الممثل للمشكلة للوصول إلى الهدف.
ووجود الإجراءات المحدَّدة سِمة لكلمة (إستراتيجية) مهما كانت، فَبِمَ تتميز هذه السلسلة الإجرائيَّة الموسومة بـ"حل المشكلات" عن غيرها؟
إنَّ السِّمة المميزة لطريقة حلِّ المشكلات: أنَّ بعض خطواتها قد لا تَحدث في الصفِّ الدراسي؛ بل تحدث خارِجَه، وقد يمتدُّ حدوثها زمنًا غير قصيرٍ، وأنَّ وجود حلٍّ لا يحسم مادة الإشكال؛ فسرعان ما تبزغ مشكلة جديدة تَحتاج إلى حلٍّ ما دام الهدفُ لم تكتمل مراحله.
فما خطوات طريقة حل المشكلات؟
إنَّ خطواتها تتأثَّر بصاحب المشكلة.
كيف؟
إن كان المتعلِّم خاليَ الذِّهن من المشكلة، وكان المعلِّم يريد له المرور بخبرةٍ تعليميَّة تعلُّميَّة معيَّنة - فإنَّ الخطوات تبدأ من: إثارة المشكلة، ثمَّ تحديد المشكلة.
أمَّا إن كانت المشكلة موجودةً لدى المتعلِّم فإنَّ الإجراءات تبدأ مِن: جَمْع المعلومات، ثمَّ وضع الحلول، ثمَّ اختيار الحلِّ الأفضل، ثمَّ تجريبه، ثمَّ الحكم عليه بناء على علاجِه المشكلةَ وحلِّها، وإيصاله المتعلِّمَ إلى الهدف.
وما الفرق بين الحالين؟
الحال الأول الذي يثير فيه المعلِّم المشكلةَ قد لا يُحدِث الأثرَ الكامل المطلوب في نفسِ المتعلِّم، أمَّا الحال الآخر فسيَكون التعلُّم فيه كاملاً؛ لذا سيكون نموذجنا المختار من النَّوع الثاني الذي يحمِل الخصائص الواجب وجودها في طريقة حلِّ المشكلات.
مثل ماذا؟
مثل العدد غير الكبير في الصفِّ الدراسي، ووجود الإمكانيَّات ومصادر التعلُّم، والمرونة المدرسيَّة، وتنمية مهارات التفكير العليا، و... إلخ.
وإنَّ هذا كله متاحٌ في جماعة الشِّعر بالمدرسة التي رَغِب طلاَّبها في تعلُّم قَرْض الشِّعر، وبرزَت قبالتهم مشكلاتُ اكتسابِ مهارات النَّظْم الشِّعري، وسينتظم كلُّ لقاء مشكلةً من هذه المشكلات، حتى يتَمكَّنوا من حلِّها عندما يتمكَّنون من "العَرُوض الشكلي".
ما العَرُوض الشكلي؟
إنَّه إكساب المتعلِّم المهتمِّ بالشِّعر وقَرْضه الطريقةَ التي بها يَفهم وينظم بالتمثيل بكلماتٍ من معتادِ حياته؛ فإن صادفَت منه موهبة واستعدادًا صار شاعرًا، وإلاَّ امتلك المهارة والقدرة التعليميَّة التي يعلِّم بها غيره؛ ((فرُب مبلَّغٍ أَوْعى من سَامع)).
كيف يكتسبها؟
بتحليلِ وحداتِ التفاعيل العَروضيَّة التي تُبنى منها الأبياتُ الشعريَّة، ثمَّ محاولة المُحاكاة الشكليَّة مِن دون محتوًى شعري.
أين الشكليَّة؟
الشكليَّة تتمثَّل في أنَّه سيَدرس تجاوُرَ الحركات والسَّكنات من دون أيَّة مصطلحات؛ ليتدرَّب عليها، ثمَّ يطبِّق عليها، ثمَّ ينطلق بعد ذلك لو أراد.
وهي مثل المحاولات الشكليَّة التي تُبذَل في علمِ النحو، التي تستهدف إنشاءَ علاقاتٍ بين الألفاظ مع تجاهل المعاني، على الرغم من أنَّ الحقيقة المسلَّمة تقول: إنَّ الإعراب فرعُ المعنى، وإنَّ الإعراب إن لم يؤدِّ إلى معنًى صحيح يكون خطأ أو ضعيفًا مرذولاً، لكن هذه المحاولات تُبْذل.
كيف سيتم ذلك؟
سيتم ذلك من خلال التخطيطِ التعليمي التعلُّمي المتعدِّد المواقف التعليميَّة، التي سينتظم كلَّ موقف منها لقاءٌ تعليميٌّ له مشكلتُه التي ستُطرح قبله، وسيبحثها الطلاب سابقًا قبل حضورهم إلاَّ الموقف الأول.
(3)
الموقف التعليمي الأول:
1- إثارة المشكلة: حتى ننظم شعرًا يلزمنا معرفة كيفيَّة كتابته؛ إذ إنَّه لا يُكتب الكتابةَ المعهودة لنا.
2- تحديد المشكلة: كيف نحوِّل الكلام المكتوب على وَفق قواعد علم الإملاء إلى كلامٍ يوافق قواعدَ العروض؟
3- نواتج التعلُّم (الأهداف الإجرائية السلوكية):
• يوضح المتعلم كيف يحوِّلون الكلام الإملائي إلى حركات وسكنات.
• يستنتج المتعلِّم أنَّ الشعر حركات وسكونيات.
• يحدِّد المتعلم قواعد تحويل الكلام الإملائي إلى تجمُّعات حركات وسكونيات.
4- واجبات العمل خارج الصف: جمع البيانات للحصول على حل المشكلة:
أ- البحث في كتب العروض، مثل: "المرشد الوافي في العروض والقوافي" للدكتور محمد بن حسن بن عثمان، و"دراسات في العروض والقافية" للدكتور عبدالله درويش، و"المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر" للدكتور إميل بديع يعقوب، و"موسيقا الشعر" للدكتور شعبان صلاح، و"موسيقا الشعر" للدكتور إبراهيم أنيس.
ب- سؤال معلِّمي اللغة العربية.
ج- الاستفسار من الشعراء المحليِّين.
الموقف التعليمي الثاني:
1- نواتج التعلم:
• أن يسرد المتعلِّم قواعدَ التقطيع العروضي الذي تتحول به الكلماتُ المكتوبة على وَفق قواعد الإملاء إلى كلمات ومقاطع تُلائم العَروض.
• أن يقطِّع المتعلِّم ما يُعرض عليه من نماذج.
2- الحلول:
طالب1: ما يُنطق يُكتب، وما لا يُنطَق لا يُكتب.
طالب2: حروف المدِّ ساكنة.
طالب3: الحرف المشدَّد يُفكُّ تضعيفه.
طالب4: التنوين يرسم نونًا.
طالب5: ياء ضمير المتكلِّم المذكَّر تسكن حينًا وتتحرك حينًا.
طالب6: ألف الضمير "أنا" يكثر حذفها.
طالب7: همزة القطع قد توصل، وهمزة الوصل قد تُقطع.
طالب8: اللام القمرية قد تسكن حينًا، وقد تتحرَّك حينًا لالتقاء الساكنين.
3- التدريب: كيف تكتبون الآتي كتابة عروضية "أمي لولاك ما كنت ما أنا عليه"؟
4- مناقشة الحلول وتأكيد الحلِّ الصحيح.
5- المشكلة: كيف نرتِّب هذه الحركات والسكونيات ترتيبًا أوليًّا وترتيبًا نهائيًّا؟
6- واجبات العمل خارج الصف: انظر البند 4.
الموقف التعليمي الثالث:
1- نواتج التعلم:
• أن يعرف المتعلِّم علامة الحركة وهي الشرطة المائلة "/"، وعلامة السكون وهو الصفر "0".
• أن يذكر المتعلِّم صورَ تجمع الحركات والسكونيات في التجمُّعات الأولية.
• أن يذكر المتعلِّم صورَ تجمع الحركات والسكونيات في التجمُّعات النهائية.
• أن يذكر المتعلِّم صورَ التجمعات الخماسيَّة وصور التجمُّعات السباعية.
2- الحلول:
طالب1: حركة وسكون، وحركة وحركة، وحركة وحركة وسكون، وحركة وسكون وحركة، وثلاث حركات وسكون، وأربع حركات وسكون.
طالب2: حركتان وسكون وحركة وسكون؛ وهذا تجمُّع خماسي.
طالب3: حركة وسكون وحركتان وسكون؛ وهذا تجمُّع خماسي.
طالب4: حركتان وسكون وثلاث حركات وسكون؛ وهذا تجمُّع سباعي.
طالب5: ثلاث حركات وسكون وحركتان وسكون؛ وهذا تجمُّع سباعي.
طالب6: حركتان وسكون وحركة وسكون وحركة وسكون؛ وهذا تجمُّع سباعي.
طالب7: حركة وسكون وحركة وسكون وحركتان وسكون؛ وهذا تجمُّع سباعي.
طالب8: حركة وسكون وحركتان وسكون وحركة وسكون؛ وهذا تجمُّع سباعي.
3- تدريب: اكتب التجمُّعات الحركيَّة السكونية لما يأتي:
• لم أر على ظهر جبل سمكة.
• واجبنا نحو مصر يلزمنا النهوض.
4- مناقشة الحلول وتأكيد الحلِّ الصحيح.
5- المشكلة: كيف نُكوِّن من هذه التجمعات الحركيَّة السكونية تجمُّعات صافية نهائية متمايزة؟
6- تمهيد علمي:
إنَّ هذه التجمُّعات الخماسية أو السباعية قد تتجمَّع وحدة واحدة منها وتتكرَّر، وقد تتجمَّع وحدتان منها وتتكرَّران معًا؛ فإن كانت الأولى فالتجمُّع صافٍ يسير، وإن كانت الأخرى فالتجمُّع مختلط مركَّب.
وإن تجمعاتها يتم في نصفين متناظرين، كلٌّ منهما يسمَّى شَطْرًا أو مصراعًا؛ فإن كانت الوحدة خماسية تكررَت أربع مرات في كلِّ شطر، وإن كانت سباعيَّة تكررَت ثلاث مرات فقط في كل شطر.
7- واجبات العمل خارج الصف: انظر البند 4 في الموقف الأول.
الموقف التعليمي الرابع:
1- نواتج التعلُّم:
• أن يسرد المتعلِّم صورَ تجمُّعات الوحدات الخماسية.
• أن يسرد المتعلِّم صور تجمُّع الوحدات السباعية.
• أن يذكر أمثلةً على هذه التجمُّعات من كلامه المعتاد.
2- الحلول:
طالب1: حركتان وسكون وحركة وسكون - ثمان مرات في النصفين، وأربعًا في النِّصف، ومثالها: أَكُولٌ، وتقطيعه: / / 0/ 0.
طالب2: حركة وسكون وحركتان وسكون - ثمان مرات في النصفين، وأربعًا في النصف، ومثالها: طَالِبٌ، وتقطيعه: / 0/ / 0.
طالب3: حركتان وسكون وثلاث حركات وسكون - ست مرات في النصفين، وثلاثًا في النصف، ومثالها: مَطَالِبُهَا، وتقطيعه: / / 0/ / / 0.
طالب4: ثلاث حركات وسكون وحركتان وسكون - ست مرات في النصفين، وثلاثًا في النصف، ومثالها: مُتَطَلِّبًا، وتقطيعه: / / / 0/ / 0.
طالب5: حركتان وسكون وحركة وسكون وحركة وسكون - ست مرات في النصفين، وثلاثًا في النصف، ومثالها: (مَسَاكِينٌ) منونةً، وتقطيعه: / / 0/ 0/ 0.
طالب6: حركة وسكون وحركة وسكون وحركتان وسكون - ست مرات في النصفين، وثلاثًا في النصف، ومثالها: مُسْتَأْسِدًا، وتقطيعه: / 0/ 0/ / 0.
طالب7: حركة وسكون وحركتان وسكون وحركة وسكون - ست مرات في النصفين، وثلاثًا في النصف، ومثالها: طالعاتٌ، وتقطيعه: / 0/ / 0/ 0.
3- المشكلة: ائتوا بكلمات تؤدِّي التجمعات المذكورة منكم آنفًا، وكوِّنوا منها الشطرين معًا.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/literature_language/0/87318/#ixzz4Jega4ZMp