بسم الله الرحمن الرحيم (يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } العلم درجات: أولها الصمت، والثانية الاستماع، والثالثة الحفظ، والرابعة العمل، والخامسة النشر ***مروان طاهات*** يرحب بكم ويكيبيديا الموسوعة المروانية MANT

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

نظرة في أسس الاقتصاد الرأسمالي 3

المشكلة الاقتصادية (مناقشة)
ليست ظاهرة الندرة النسبية هي المشكلة الاقتصادية. وذلك لأنهم بنوها على أسس خاطئة وانطلقوا عن قاعدة فاسدة، إذ قالوا إن الحاجات عند الإنسان متجددة ومتعددة فهي غير محدودة، ووسائل الإشباع من سلع وخدمات مهما كثرت فهي محدودة.
هذا القول خطأ ومخالف للواقع. وتفصيل ذلك: أنه لا بد أن نفرق بين حاجات الإنسان الأساسية، وبين حاجاته الكمالية. فحاجات الإنسان الأساسية ثابتة لا تتغير، لا تزيد ولا تنقص، وهي التي تتطلب الإشباع الحتمي، فهي محدودة وتكاد تكون محصورة في المأكل والملبس والمسكن ، فتبقى هي هي مهما حصل من تقدم تكنولوجي أو تطور في وسائل العيش، ومهما تجددت وتعددت وسائل الإشباع فالحاجات الأساسية تبقى محدودة، وبالتالي إشباعها لا يولد أية مشكلة، ولا يوجد أية عقبة. وعدد الناس محدود، وقد تكفل الله تعالى بأن يرزق كل دابة على الأرض، قال تعالى : {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها …}.
ففي العصور البدائية كان الإنسان يسعى منطلقا لإشباع هذه الحاجات، ولم تكن لديه أية مشكلة في إشباعها، وكذلك في عصور الرعي واقتناء المواشي، ثم عصور الزراعة واستثمار الأرض، الحال هو هو لم يتغير ، وإلى التقدم الصناعي فعصور الرقي والمدنية والتقدم، حتى عصر السرعة وغزو الفضاء، والحال في إشباع هذه الحاجات الأساسية لم يتغير.
أما ازدياد الحاجات أي الرغبات بزيادة التقدم الصناعي والتطور التكنولوجي، فإن هذا إنما يظهر بالنسبة للحاجات الكمالية فقط، وأما الحاجات الأساسية فلا زيادة عليها، وتبقى ضمن محدوديتها. وعدم إشباع الحاجات الكمالية لا يطرأ عنه أية مشكلة البتة.
ومع هذا التقدم الصناعي المذهل فإن الإنسان هو الإنسان، لا يتغير ولن يتغير، وحاجاته تبقى هي هي، فلو قمنا بعملة مسح جيوسكاني على هذا العالم المترامي الأطراف، أي لو تناولنا هذه الكرة الأرضية، في مجموع سكانها، واختلاف مناطق عيشهم وسكنهم، وطراز ونوعية حياتهم، لوجدنا التباين الشاسع في وسائل العيش من حيث وفرتها وكثرتها في مناطق، وقلتها وشحها في مناطق أخرى، ولكن لا توجد هناك أية مشكلة اقتصادية فيما يتعلق بإشباع الحاجات الأساسية.
ولكن الاقتصاديين الغربيين عندما بحثوا هذا الإنسان من زاوية مادية، ولم يفرقوا بين الحاجات الأساسية، وما بعدها من الحاجات العادية، والكمالي ، قالوا بأن الحاجات غير محدودة، وهذا الكم الوفير من السلع والخدمات يبقى قاصرا عن إشباع هذه الحاجات غير المحدودة، فتبقى المشكلة الاقتصادية قائمة.
وتطلعات بسيطة، ودراسات أولية، بل وأمثلة حية من واقع المجتمعات المختلفة في أنظمة عيشها، نستدل بالقطع واليقين أن ما بنوا عليه نظرياتهم الاقتصادية هي قواعد خاطئة وفاسدة وغير صحيحة ومخالفة للواقع.
فلو نظرنا إلى واشنطن ونيويورك ولندن وباريس وغيرها لوجدنا سكانها يملك كل فرد من أفراد العائلة سيارة أو أكثر مثلا، ثم لو أتينا إلى الأرياف في مناطق الشرق الأوسط وفي القرى والبوادي، وفي أفريقيا وشرق آسيا، لوجدنا المئات والآلاف لا يملكون سيارة واحدة، فهل هذا أوجد عندهم مشكلة؟ هل كان لهذا تأثير على إشباع حاجاتهم الأساسية؟ طبعا، لا.
فالخطأ الأساس عندهم هو عدم التفريق بين الحاجات الأساسية وغيرها من الحاجات الكمالية. فلا يوجد عدم محدودية في الحاجات بل الحاجات محدودة والسلع والخدمات أي وسائل الإشباع دائما أكثر بكثير من الحاجات في كل بيئة وفي كل عصر من عصور البشرية. فلا مشكلة البتة.
فوسائل الإشباع من سلع وخدمات كثيرة جددا تكاد تضيق بها المخازن وتكتظ بها الأسواق، مع وجود الفقر المدقع ، وعيش الكفاف، وهذا يعود إلى الإساءة في التوزيع، وعدم تطبيق نظام اقتصادي، يضمن توزيع هذا الكم الهائل من السلع والخدمات على أفراد المجتمع. فردا فردا ليتم الإشباع الكلي. فالمشكلة هي في التوزيع فقط.
فالحاجات في الإنسان فطرية. فكل إنسان من بني البشر يندفع تلقائيا باحثا عما يشبع حاجاته؛ فلما قلنا إن الحاجات الأساسية هي المأكل والملبس والمسكن، كان الإنسان وهو يعيش في العصور البدائية يبحث عن الكهوف فيتخذها مأوى ومسكنا، ثم سكن في الأكواخ، واتخذها مأوى له، وكان يشعر بالراحة والطمأنينة وهو ينام في كهفه أو كوخه. وبعد أن قام بتشييد البيوت وتفنن في هندستها وبنيانها، كان الإشباع لحاجته للمأوى واحدا سواء في القصور المشيدة أو في الكهوف والأكواخ.
وكذلك بالنسبة لحاجته للمأكل، فكان اندفاعه فطريا وتلقائيا، يصطاد الحيوانات والأسماك، ويأكل مما تنبت الأرض من نباتاتها الوفيرة وثمارها المتنوعة، فكانت حاجاته للمأكل مشبعة إشباعا يوفر له الطمأنينة والراحة تماما كما يوفر لنفسه اليوم الوجبات الدسمة والشهية سواء بسواء.
يقول الله سبحانه وتعالى : {فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم}.
ويقول جل من قائل : {والله جعل لكم بيوتكم سكنا، وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين. والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا، وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر، وسرابيل تقيكم بأسكم، كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون}.
وأما حاجة الإنسان للباس، فكان يندفع فطريا ليستر ما يلزم ستره من جسمه، أو ما يلزم مما يقيه البرد القارص أو الحر الشديد، ولم يجد في ذلك أية مشكلة. تماما كما يشبعها بوسائل الإشباع المعاصرة ؛ فنومه على التراب كنومه على القش والحصير والفراش الوثير والسرر كل ذلك يجعل من نومه نوعا واحدا يوفر له الراحة والهدوء والاطمئنان. كما كان يندفع تلقائيا وفطريا باحثا عما يستر به عورته وسوءته، أو ما يلزم لوقايته من البرد الشديد أو الحر الشديد؛ وقد عرف اللباس والكساء مع فجر التاريخ، كما عرف البنيان من قبل التاريخ أيضا. فهذه القصور القديمة الشاهقة، والأهرامات وهياكل العبادة لا تزال ماثلة، وبقاياها تدل على أن حاجات الإنسان من المأوى واللباس والمأكل كانت مشبعة دون أن يكون هناك آلات أو تكنولوجيا أو تقدم صناعي، ولم يرو لنا التاريخ أية مشكلة حصلت جراء إشباع هذه الحاجات الأساسية ولا غيرها.
فلا مشكلة إذن البتة فيما يتعلق بحاجات الإنسان الأساسية، لا في العصور القديمة ولا في العصر الحديث. أما ما نراه اليوم من المجاعات في أفريقيا وبعض دول آسيا، فإن هذا نتيجة سياسة النظام الرأسمالي ومنه الاستعمار، ونتيجة المذابح التي يدبرها دول الغرب المستعمرة، وأمريكا من أجل نهب خيرات وثروات واستغلال الموارد في تلك البلاد. فهذه الحروب والمذابح الجماعية، أنتجت موجات من المهجرين الذين لا يجدون المأوى والمأكل. فيهرع المتصارعون على النفوذ والمتسابقون على المنافع لمدهم بالمساعدات الغذائية والمواساة الإنسانية كما يزعمون. تماما كمن يعلف الحيوانات استعدادا لذبحها.
فكما أنهم أخطأوا في المشكلة وحقيقة واقعها أخطأوا أيضا في علاجها فقولهم إن ندرة السلع والخدمات بالنسبة للحاجات أي أن السلع والخدمات محدودة، فلا تكفي إشباع الحاجات غير المحدودة. إذن تبقى المشكلة قائمة ولا حل لها. هذا الخطأ أدى إلى الوصول إلى علاج للمسألة أكثر خطأ. فانحرفوا وتفرقت بهم السبل، وانصبت جهودهم على تكثير السلع والخدمات، وتكثير الإنتاج، لتكون في متناول يد الجميع ، أي أن تكون متوفرة في السوق بغض النظر عن أن يتناولها جميع الأفراد أو جلهم أو بعضهم. ولم يبحثوا في إشباع حاجات جميع الأفراد فردا فردا إشباعا كليا، لأن هذا يرونه مستحيلا. فلجأوا إلى طرح كميات وفيرة من السلع والخدمات في السوق ظنا منهم أن قاعدة حرية التملك، وحرية العمل، تمكنهم من إشباع حاجاتهم كمجموعة لا كأفراد واحدا واحدا.
ولم يدُر بخلدهم أن تكثير السلع والخدمات في المجتمع بين الناس شيء؛ وأن توزيعها شيء آخر، وأن تكثير السلع والخدمات وتنميتها وتوفيرها في السوق بحث في واقعها وفي مادتها، وهذه الناحية يتناولها علم الاقتصاد. وفرق شاسع بين علم الاقتصاد، والنظام الاقتصادي. فتوزيع السلع والخدمات وسائر المنافع على أفراد المجتمع إنما يعالجها النظام الاقتصادي. والنظام الاقتصادي، هو أفكار وأحكام تتعلق بفهم الواقع، وعلاج المشكلة، أي تنزيل الفكر أو الحكم على واقع المشكلة لفهمها وعلاجها. وبالتالي لا بد أن يكون هذا النظام منبثقا عن وجهة النظر في الحياة، فيصبح خاصا لأنه مرتبط بعقيدة الأمة وعن وجهة نظرها في الحياة.
أما علم الاقتصاد فإنه عام وعالمي يبحث في المادة، وتحليل المادة وتكثيرها وتنميتها حسب الوسائل التقنية الحديثة، فهو في أمريكا وفي روسيا والصين والهند وغيرها سواء. وبذلك، وبهذا الخلط بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي، ودمجهما مع بعضهما زادوا المشكلة تعقيدا، أي كونهم أوكلوا توزيع المنافع والخدمات على أفراد المجتمع ، أوكلوه للبحث العلمي، أي البحث المختبري التجريبي البحت، واعتبروا أنفسهم أنهم نجحوا في ذلك حيث إنهم رأوا السلع والخدمات ووسائل الإشباع متوفرة في الأسواق، وأدوات الإنتاج والمصانع تغرق السوق بتنافسها وجشعها، أرادوا بعد هذا كله أن يخرجوا الجمل من ثقب الإبرة، فقالوا بأن قاعدة حرية التملك، وقاعدة حرية العلم هما الكفيلتان بتوزيع هذه الثروات، وتوزيع هذه المنافع والخدمات على مجموع أفراد المجتمع.
ثم عمدوا إلى معالجات سلبية تساعدهم على حل هذه المشكلة الاقتصادية، بعد أن اصطدموا بما أسموه النمو السكاني، أو المشكلة السكانية؛ فرأوا استحالة العلاج للمشكلة الاقتصادية دون أن يعالجوا المشكلة السكانية المتفاقمة أولا.
يقول (مالتوس) صاحب النظرية الشهيرة: إن قدرة الإنسان على التناسل أكبر من قدرة الأرض على إنتاج ما يلزم لبقائه. ولذلك خلص (مالتوس) إلى أن نسبة تزايد السكان تختلف عن نسبة تزايد الطعام؛ فالسكان يتزايدون في نظره – عند انعدام العوائق – بمتوالية هندسية، أي يتزايدون بمقدار الضعف كل (25) عاما. بينما تتزايد المواد الغذائية – عند انعدام الموانع – بمتوالية حسابية؛ أي بالكمية نفسها في المدة نفسها ، فكأن نسبة التزايد تكون كما يلي:
السكان -1      2        4        8        16     32     64     128   256
المواد الغذائية -1          2        3        4        5        6        7        8        9
فالسكان يرتفعون إلى 16 مثلا في قرن، بينما لا ترتفع المواد الغذائية في المدة نفسها إلا خمسة أمثلة. وخلص مالتوس بعد ذلك إلى ما يسمى (قانون الضرورة) الذي يعالج هذه المشكلة ليتم التعادل تلقائيا بين القوتين.
وتفصيل ذلك: أن الإنسان لا يمكن أن يعيش بلا طعام، فإذا تزايد عدد السكان بنسبة أكبر من نسبة تزايد الطعام، فلا بد أن تتدخل الطبيعة، وتفعّل قانون الضرورة، فتحدث المجاعات وتنتشر الأوبئة، وتضعف صحة المواليد، وتقوم الحروب، مما يخفض عدد السكان إلى الحد الذي تسمح به المواد الغذائية.
فكأن التعادل يتم تلقائيا عن طريق التغيرات في معدل الوفيات الشيء الذي لا يتوقف على إرادة الإنسان – فهو إذن يواجه حل مشكلة عدم التعادل بين السكان والمواد الغذائية من ناحية العنصر البشري، لا من ناحية المواد الغذائية.
إذن هم يرون اللجوء إلى اتخاذ الإجراءات السلبية مشاركة في علاج المشكلة الاقتصادية. فقالوا بضرورة وجود الحروب ، وبضرورة اللجوء إلى الزواج في سن متأخرة، وبضرورة التقليل من النسل، إما باللجوء إلى الخطيئة بالإبقاء على نسبة ضئيلة من المواليد، وإزهاق حياة النسبة الأكثر عند الولادة بطرق ملتوية، وإيعازات خفية. ثم اللجوء إلى توزيع موانع الحمل، بالمجان والتشجيع على استعمالها ولو ببذل مكافآت للتقليل من المواليد، وبخاصة بين الأسر الفقيرة وفي المجتمعات المتخلفة، والدول النامية. كما أنهم يرون أن الطبيعة لها دور هام في انتشار الأوبئة وفتك الأمراض.
وهناك عوامل أخرى تساعد على حل المشكلة من جانب سلبي، منها الكوارث الطبيعية كالزلازل، والفيضانات، والأعاصير ، وموجات العواصف الثلجية ، وموجات الحر القاتلة، كل هذه عوامل مساعدة – في نظرهم – على حل المشكلة الاقتصادية بالتقليل من النمو السكاني المتسارع.
فكم حصدت الكوارث الطبيعة من الجنس البشري!! كم حصدت الزلازل في إيران وأفغانستان وروسيا وتركيا والمكسيك من بني البشر وكم حصدت الفيضانات والأعاصير والعواصف الثلجية في بنغلادش وبعض المناطق في شمال أوروبا والولايات الأمريكية، وكم حصدت موجات الحر القاتلة من بني البشر في الهند، وفي مكة المكرمة في مواسم الحج.
كل هذه الكوارث يرونها عاملا مساعدا في إيجاد التعادل تلقائيا بين القوتين: قوة النمو السكاني، وقوة النمو الغذائي حسب نظرية مالتوس.
وكذلك هناك رأي متطرف لهذا القس الإنجليزي (مالتوس) الذي كان أستاذا للتاريخ والاقتصاد السياسي في جامعة كمبردج، إذ يقول بلجوء الإنسان إلى إشباع غريزة الجنس عن غير الزواج هروبا من التناسل، مع أنه تزوج وأنجب بنتين وولدا (1766 – 1834). فكانوا بلجوئهم إلى النظريات العلمية والوسائل التقنية يرون أن الحل لهذه المشكلة الاقتصادية يكون في تطبيق هذه النظريات والوسائل.
أما لجوؤهم إلى قاعدة حرية التملك وحرية العمل كفيلة للتوزيع، فإنها قد فتحت عليهم أبوابا أخرى زادت من تعقيد المشكلة لا حلها.
أما قاعدة حرية التملك فإنها تعني إزالة القيود التي تنظم التملك، أي كسروا العوامل التي توجد التوازن في المجتمع اقتصاديا، وانفلت الجشعون والمحتكرون الذين يتفننون في ابتكار الحيل والأساليب لتنمية ثرواتهم واستثمار أموالهم، فظهر في المجتمعات الغنى الفاحش، والفقر المدقع، ووجد أصحاب المليارات والأملاك والعقارات، كما وجد الذين يتناولون طعامهم من حاويات القمامة . كل ذلك لأن المشكلة عولجت بواسطة علم الاقتصاد لا بالنظام الاقتصادي، وبحرية التملك وحرية العمل، لا بالضوابط والمفاهيم التي تنظم كيفية التملك، وكيفية التصرف في هذه الملكية، وأهملوا ورفضوا تطبيق قاعدة التوازن في المجتمع، مثل عدم تداول المال بين فئة الأغنياء، وتحريم كنز المال، وحدود الملكية العامة، وجهة توزيعها، ووضع قواعد لإعانة العاجز وكفاية المحتاج، وفرض حق في أموال الأغنياء يعطى للفقراء والمساكين. وتحريم الربا ، والغش والغبن – والاحتكار كل هذه الأحكام التي توجد التوازن في المجتمع وتمنع الطبقية أهملوها لأنها تتعارض مع القواعد الأساسية عندهم وهي الحريات الأربع، وعلى رأسها الحرية الاقتصادية.
وكان الخلط عندهم واضحا بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي، وذاب النظام الاقتصادي تلقائيا واندمج في علم الاقتصاد.
أما نظريتهم الخاطئة إلى المنافع كما هي، لا كما يجب أن يكون عليه المجتمع فنقول:
كل ما يرغب فيه – في نظرهم – هو منفعة إذا على المنتجين أن يلبوا رغبات المستهلكين بتوفير السلع والخدمات أي المنافع التي يشبعون بها حاجاتهم ورغباتهم، سواء كانت هذه المنافع خمرة أو حشيشا أو أفيون، وسواء كانت هذه الخدمات مسارح رقص وراقصات، أو كانت مهرجانات تمثيل رخيص وغناء . أو بيوت دعارة.
ولكن لما كان هؤلاء الأفراد أصحاب هذه الرغبات وأمثالهم أجزاء في مجتمعهم أي إن عيشهم في مجتمعهم يشكل لهم إطارا عاما لا يخرجون عنه سواء من حيث الأفكار التي يتشكل بها المجتمع، أو العلاقات التي تنظم هذا المجتمع، وبالتالي فإن المجتمع كما هو بأفكاره ونظامه هو الذي يفرض على أفراده شكلا من العيش ونوعا من العلاقات، وهذه كلها تنبثق عن عقيدته ووجهة نظره التي يدين بها أفراد المجتمع فيكون بذلك قد اصطلح على محظورات لا بد من الابتعاد عنها، كما اصطلح على أساسيات لا بد ممن الالتزام بها والمحافظة عليها، وخروج أي فرد من الناس الموجودين ضمن إطار هذا المجتمع عن هذه الأساسيات أو تجرؤه على المحظورات، يعني خروجا عن طراز العيش وهدما للعلاقات وإفسادا للمجتمع. وكذلك الذين ينتجون المنافع المحظورة بحجة أن هناك من يرغب فيها هو كسر لهذا الإطار، وهدم لهذا الكيان، كيان المجتمع الذي تشكل من الناس والأفكار وما يصحبها من مشاعر ومن العلاقات أيضا (النظام) كما هو استهانة بوجهة النظر عن الحياة التي قام على أساسها هذا البناء.
فبدل أن تنتج المنافع التي يود من يرغب فيها ولو كانت تضر بالصحة أو تفسد الأخلاق أو تخالف القوانين، بدل أن يسمح الاقتصاد الغربي بإنتاجها، يجب أن يأخذ على أيدي هؤلاء الذين ينتجونها أولا ، والذين يتناولونها ثانيا.
أما أن نطلق للاقتصاديين العنان في أن يقرروا مثل هذه التقريرات في إنتاج ما يرغب فيه، واستهلاك ما يرغب فيه على إطلاقه، فهذا هدم للمجتمع، وإهدار للقيم، وسحق للمثل العليا، وتفريط بكرامة الإنسان.   فتحي محمد سليم