كلمة الاقتصاد بالمعنى الاصطلاحي تعني: تدبير شؤون المال، إما بتكثيره وتأمين إيجاده ويبحث فيه علم الاقتصاد، وإما بكيفية توزيعه ويبحث فيه النظام الاقتصادي.
ثم اتسع هذا المدلول في هذا العصر، لينسحب على قطاعات واسعة من الجوانب الحياتية لبني الإنسان، وفي كل المجتمعات والتجمعات البشرية.
المبدأ الرأسمالي الذي يقوم على عقيدة فصل الدين عن الحياة، كان أبرز ما
فيه هو الاقتصاد ورأس المال، واتسع حتى ضاقت الأرض بالمنجزات الاقتصادية،
من صناعة النفط إلى الصناعات الاستهلاكية والغذائية والمدنية والعسكرية،
وقطاع المصارف والبورصات المالية والتجارية، وضخامة الشركات العملاقة
وأذرعها المتفرعة الممتدة في جميع أنحاء المعمورة، كالحاسوب، والحسابات
وتدقيقها، والإنترنت وأجهزة الاتصال الفضائية وغيرها، حتى أصبح الاتصال بين
الناس على سطح الكرة الأرضية بسرعة الضوء.
والعالم اليوم يعيش في خضم الفيضان الهائل الذي أغرق جميع الأسواق
العالمية، من شتى أنواع الصناعات والإنتاج من السلع والخدمات التي لا تحصى،
بغض النظر عن الكم البشري الهائل من الجياع والعطش والعراة، وبغض النظر عن
ديون القلة القليلة المتراكمة على الكثرة الكاثرة، وبغض النظر عن حمى
فوائدها وجدولتها.
وانتهت الاشتراكية، وتهاوت صروحها، وتفتت كياناتها، وانمحت نظمها، وتعرت
هذه الأسطورة التي كانت تدغدغ عواطف المستضعفين والتي انخدع ببريقها
الملايين من البشر، فكانت وبالا عليهم، فقاموا بهدمها بعد أن لم تغنهم من
فقر، ولم تشبعهم من جوع.
وبقي الإسلام كنظام حياة شامخا برسالته وعالميته وشموله وصحته وصدق عقيدته
وعدالة تشريعاته، وحسن رعايته، ووضوح رؤيته، ومعالجته لمشاكل الإنسان،
وحلها جذريا، وإضفائه الطمأنينة والرفاهية على كل من استظل برايته، وعاش في
كنف دولته دولة الخلافة.
كيف يعيش العالم اليوم رغم المعطيات الرأسمالية والمنجزات الصناعية
والتراكمات الإنتاجية التي وفرها القائمون على المبدأ الرأسمالي، وطرحوها
في الأسواق حتى ضاقت بها المتاجر والمخازن والساحات، حفلت بها قوافل
الشاحنات!.
يعيش العالم اليوم أسوأ عيش، في ظل أسوأ نظام وهو النظام الذي يقوم على
عقيدة فصل الدين عن الحياة، ويعيش أبناؤه على القواعد والأسس التي مهدت
لهذا العيش البهيمي الرخيص وهي الحريات الأربع: حرية العقيدة، وحرية الرأي
وحرية التملك والحرية الشخصية .
جعلوا الواقع مصدر تفكيرهم، والنفعية مقياسا لأعمالهم، والأكثرية لتقرير
الصواب عندهم؛ جعلوا السيادة للشعب، والأمة مصدر السلطات؛ فأقاموا الناس
على أساس هش وأرضية متميعة مترجرجة، لا تستقر على حال، وجعلوا الحل الوسط
فيصلا، فلا حدود للقيم، ولا ميزان للمثل. وهكذا فالقوي بقوته وتفوقه،
والضعيف على ذله ومسكنته؛ تأكل الكلاب الوجبات الدسمة، ويخصص لها أطباء
يعالجونها، وحمامات تتبرد فيها، في حين أن الملايين من الهياكل البشرية بين
الحياة والموت، يتساقطون في الشوارع، وملايين آخرين يقذف بهم الظلم إلى
المهاجر تاركين منازلهم وديارهم نجاة بحياتهم، وملايين أمثالهم يمنعون من
ركوب الحافلات ودخول المتنزهات والالتحاق بالجامعات لسواد بشرتهم.
ما هو هذا البناء الذي أوصل البشرية إلى هذا الدرك الأسفل من العناء
والشقاء ؟ وما هي الأسس التي يقوم عليها هذا البناء ؟! ما هي نظرتهم للحياة
؟ ما هو فهمهم للمشاكل ؟ وما هو علاجهم لها ؟.
بعد أن تقعدت قواعد المبدأ الرأسمالي، وتركزت عندهم فكرة فصل الدين عن
الحياة، وأمنوا واستسلموا لقيادتها، زجوا بعقيدة الملايين منهم العقيدة
النصرانية ووضعوها في أيدي حفنة من رجال الدين وحصروا هذه العقيدة الروحية
في سراديب الكنائس، وتفرغوا للحياة الدنيا وانساقوا وراء الممتع والملذات
وركضوا وراء المال والجنس مبعدين عن أذهانهم شيئا يسمى اليوم الآخر.
فبرز منهم علماء كثيرون، وضعوا النظريات المتعددة، وقاموا بأبحاث ودراسات
وإحصائيات؛ وأخذوا يضعون المخططات الهيكلية لحياتهم الاقتصادية.
ومن أشهر هؤلاء الاقتصاديين (آدم سميث) و (ريكاردو) و (مارشال) و (ماركس) و
(مالتوس) وآخرون غيرهم كثيرون؛ تناولوا هذا الإنسان من ظاهره المادي فقط،
فحصروا حاجاته في تحقيق القيمة المادية، وأهملوا الباقي من جوانب حياته وهي
تحقيق القيم الروحية، والإنسانية والخلقية؛ ثم تناولوا بالبحث موضوع إشباع
هذه الحاجات من زاوية مادية فقط. فوضعوا أسسا ثلاثة بنوا عليها اقتصادهم،
وانصبت دراساتهم وأبحاثهم، ونظرياتهم كلها على هذه الأسس الثلاثة ، وهي :-
1. الندرة النسبية : وهي عدم كفاية السلع والخدمات المحدودة لإشباع الحاجات المتجددة والمتعددة .
2. القيمة : قيمة الشيء المنتج ، وهي أساس الأبحاث الاقتصادية وأكثرها دراسة .
3. الثمن : والدور الذي يقوم به في الإنتاج والاستهلاك والتوزيع ، وهو حجر الزاوية في النظام الاقتصادي الرأسمالي .
بحثوا في هذا الإنسان ناحيتين اثنتين هما: الحاجات التي تتطلب الإشباع،
ووسائل إشباعها من سلع وخدمات. فقالوا إن هذه الحاجات لا تكون إلا مادية،
وتوسعوا فيها، حتى جعلوها بلا حدود، أي قالوا إن الحاجات غير محدودة وهي
متعددة ومتجددة. ثم قالوا أن وسائل الإشباع وهي السلع والخدمات مهما كثرت
فهي محدودة. فيبقى الفارق بين الحاجات غير المحدودة، ووسائل الإشباع
المحدودة واسعا جدا؛ فلا تكفي الوسائل المحدودة لإشباع الحاجات غير
المحدودة . وهنا تبرز عندهم المشكلة الاقتصادية .
المشكلة الاقتصادية عند الرأسماليين
ظاهرة الندرة : مدى مسؤولية الطبيعة عنها.
يقولون إن هناك صراعا متواصلا بين الإنسان والطبيعة المحيطة به من أجل
إيجاد حل لما يسمونه (المشكلة الاقتصادية). إن أصل وجود هذه المشكلة هي في
محاولة الفرد أو المجتمع إشباع حاجاته غير المحدودة. وكونها غير محدودة،
لأن الحاجات في نظرهم ليست بقاصرة على ما هو فطري، أو فسيولوجي، بما يلزم
لحفظ كيان الإنسان.
إن هذه الحاجات تزداد في درجة عدم تحديدها نظرا إلى ميل أو رغبة الإنسان
المكتسبة إلى التكاثر والتنويع في الاستهلاك مع تطور حضارة المجتمع الذي
يعيش في ظله.
ولا بد أن تقرر حقيقة (كما يقولون) وهي أن ظاهرة الندرة ليست الطبيعة
وحدها هي المسؤولة عنها، بل هناك جانب آخر لا بأس به، وهو يرجع إلى التقدم
المستمر للبشرية في السيطرة على القوى التي تزيد من ناتج الطبيعة، مما أدى
إلى نمو تزايد وتعدد الحاجات، وهو ما يمكن أن يترجم بمسؤولية الطبيعة
الآدمية أيضا عن وجود واستمرار الظاهرة المذكورة وهي : (الندرة). يقولون:
إن تطور الحضارة الإنسانية من مرحلة إلى أخرى، يدلنا بغير انقطاع على أن
التقدم في المعرفة الفنية قد أدى ليس فقط إلى الزيادة في حجم الموارد
المتاحة، بل وإلى الاهتداء إلى وسائل وإمكانيات سمحت بتعظيم الاستفادة منها
اقتصاديا.
ومن ثم أمكن زيادة الحاجات المشبعة. وهذا يعني أن زيادة الحاجات، وعدم
محدوديتها، قد شارك في وجودها الإنسان نفسه، لأن التقنيات قد ساهمت في خلق
خدمات وسلع جديدة وكثيرة، أي نمت الرغبة عند الإنسان، وفتحت أمامه أبوابا
كثيرة، استجد عنده منها رغبات وحاجات كثيرة، امتدادا لحاجته ورغباته التي
كانت بسيطة في زمن ما.
ففي مرحلة الرعي، كان الفرد يحتاج إلى مساحات شاسعة من الأرض لرعي مواشيه،
وما يملك من دواب وحيوانات نافعة، حتى يحقق لنفسه وأسرته أسباب الحياة.
ولكن مع اكتشاف الزراعة نقصت رقعة الأراضي اللازمة لحياة الأفراد، وزادت
إمكانياتها في إعاشة أضعاف مضاعفة من السكان، وأخيرا وبعد الثورة الصناعية
زادت قدرة نفس الرقعة، على تحمل أكبر عدد من السكان، وبمستوى معيشي أفضل.
وهكذا (يقولون) نجد أن كمية ونوعية الموارد المتاحة (المادية والبشرية)
يعتمد اعتمادا كبيرا على درجة المعرفة التقنية السائدة، وبالتالي لا يمكن
فصلها عن مستوى المعرفة.
الحاجات :
الحاجات عندهم هي تعبير عن رغبات الإنسان: والموارد هي انعكاس لمعارفه
وقدراته. ولذلك نجده أي الإنسان في طرفي المشكلة، لأنه يملك القدرات
والموارد التي تشبع، ويملك تطويرها بمعارفه التقنية، فتزداد السلع والخدمات
المصنعة والمطورة، فتزداد معها رغباته وحاجاته التي تتطلب الإشباع.
فبالإنسان وله تقوم المشكلة الاقتصادية وتجل.
1. الحاجة : الحاجة عندهم هي الرغبة، وهي ناشئة عن شعور شخصي بالميل
للحصول على شيء من الأشياء، يختلف حده باختلاف مدى أهمية هذا الشيء في نظر
صاحب الرغبة.
2. الحاجة أو الرغبة عندهم من الملاحظ أنها من الكثرة والتعدد بحيث لا
تدخل جميعها في نطاق ما تحفل به الدراسات الاقتصادية. فالرغبة في التعبد
مثلا، أو الحاجة إلى تبادل المودة أو (الائتلاف العاطفي) كلها حقائق تلعب
دورا كبيرا في حياة الإنسان، ولكنها لا تعتبر محلا مباشرا لدارسة اقتصادية ،
مثل الحاجة إلى المأكل والملبس والمأوى وما إليها.
3. الحاجة بالمعنى الاقتصادي هي: كل رغبة تجد ما يشبعها من مورد (أو مال) من الموارد الاقتصادية.
4. الحاجة هي : حالة نفسية تقوم بالفرد، فمتى شعر بهذه الحالة نقول: إن هناك حاجة.
5. لا يهم أن يكون هذا الشعور متفقا أو غير متفق مع الأحكام الأخلاقية، أو القواعد القانونية، أو الأصول الصحية .
6. الحاجات ليست في حاجة حتى تقوم إلى أي اعتبار من هذه الاعتبارات.
7. مع وجود الحاجات الأولية كالغذاء والكساء والسكن. ولكن الإنسان يحتاج
إلى مزيد وتنويع من هذه الأشياء، فهو يرغب في أن يعدد في أنواع مأكله
ومشربه، وأن يبدل في أشكال ملبسه، ثم لا يلبث أن تظهر له حاجات أخرى يفرضها
عليه التطور الاجتماعي، فهو يسعى للتعليم والحصول على ما يلزم لذلك،
وللحصول على أدوات تساعده على زيادة قدرته في العمل، كما يرغب أن توضع في
خدمته سبل المواصلات الحديثة، ووسائل الترفيه المختلفة. وهكذا نستطيع أن
نعدد إلى ما لا نهاية حاجات الإنسان أي : (إن الحاجات غير محدودة عندهم) .
8. مع التقدم التكنولوجي أو الحضاري تظهر حاجات جديدة، وتتزايد أهميتها
بالنسبة للحاجات الأولية، وكلما زاد ثراء الدولة وتقدمها كلما قلت نسبة
الحاجات الأولية إلى مجموع الحاجات. فمن المشاهد أن الفقير يخصص نسبة ضخمة
من دخله للإنفاق على الغذاء، أما عند الغني فإن هذه النسبة تنخفض كثيرا
بالنسبة لحجم دخله أو الزيادة التي تطرأ عليه.
9. هناك ما يعبر عنه بـ (لا نهائية الحاجات) كما أنها تتصف بصفة النسبية.
وبيان ذلك يتضح مما هو ملاحظ من أنه على الرغم من أن حاجة الفرد إلى سلعة
أو خدمة معينة، تتجه للإشباع مع زيادة الاستهلاك فحاجاته في مجموعه تتزايد
باستمرار.
هناك دائما حاجات جديدة تظهر للفرد. فكلما نجح في إشباع عدد معين منها،
ظهرت له حاجة جديدة يسعى إلى إشباعها، وبالتالي فإن حاجات الأفراد تعتبر
متعددة وغير متناهية. وبقدر ما ينجح مجتمع معين في إشباع عدد معين من
الحاجات، بقدر ما يخلق حاجات جديدة غير مشبعة. لذلك نرى الإنسان في سعي
مستمر نحو هدف متحرك فهو لا يثبت على وضع مستق ، وهنا تظهر لا نهائية
الحاجات .
أما عن نسبية الحاجات عندهم :
فمن المشاهد أن حاجات الإنسان في الوقت الحاضر لا تمثل انعكاسا لضرورات
حيوية أو نفسية، بقدر ما هي تعبير عن أوضاع اجتماعية، تحكمها ظروف الزمان
والمكان.
فحاجات الفرد في قبيلة بدائية، لا تقارن بحاجات مواطن في مجتمع متحضر
وحاجات أجدادنا ليست مثل حاجاتنا التي تختلف بدورها عن حاجات أحفادنا بل
وفي نفس الزمان والمكان تختلف حاجات الأفراد باختلاف مستوياتهم الاجتماعية
والثقافية. فالأموال التي يشتريها العامل (أي السلع) ليست كالأموال التي
يقتنيها الثري، وإنفاق المزارع في الريف، ليس كإنفاق سكان المدن، وحاجات
رجل العلم لا تتطابق وحاجات رجل الأعمال. وهكذا فهي نسبية تكاد تجعل لكل
فئة مجموعة من الحاجات والرغبات المختلفة الخاصة بها والمميزة لها.
ظاهرة : (تناقص المنفعة الحدية)
عندهم تعبيرات مثل: (المنفعة الحدية) الهامشية (المنفعة الكاملة) (القيمة الكلية) ثم المنفعة الفردية والمنفعة الجماعية.
المنفعة :
المنفعة هي: خاصة في المال تزيل الإحساس بالألم، أو تولد الإحساس باللذة،
أو تخلق ظروفا لازمة لحدوث هذه النتائج. أو هي بتعبير آخر: قدرة الشيء على
إشباع الحاجة. فهي إذن ليست خاصة مادية، تشبه بالطول أو بالعرض أو بالوزن
أو بالمساحة ولكنها علاقة بين المال والحاجة. فالمنفعة تتولد مع الحاجة،
وتنتفي بانتفائها. فهي علاقة يدركها الفرد، فهي تخضع لتقديره؛ فهي تتوقف
على درجة حرمان الشخص وقت الاستعمال، فتزداد بازدياد الحرمان، وتنقص
بنقصانه، أي أنها تتوقف على أهمية الحاجة بالنسبة للشخص. كما أن تقدير
الحاجة يختلف من شخص إلى آخر، تبعا للظروف الاجتماعية والعادات والثقافة.
ولكن لا ننفي أن للمجتمع دورا في تكوين تصور الفرد للمنفعة. فهو أي الفرد
قد يقدر المنفعة بما أرسبه المجتمع في إدراكه خلال عيشه فيه . فتكون
المنفعة هي حقيقة شخصية كما يعبرون عنها (بقيمة الاستعمال) أو (منفعة
الاستهلاك) – وذلك حينما نكون بصدد المقابلة بينها وبين (قيمة الاستبدال) –
وعندئذ استعاضوا بذلك بتعبير (المنفعة).
ويكفي أن يكون المال مرغوبا فيه لقيام المنفعة، بصرف النظر عن كونها متفقة
مع الأخلاق والصحة، أو غير متفقة مع الأخلاق والصحة، ولا يؤثر عدم الاتفاق
هذا في تكوين القيمة. وقد تكون المنفعة مباشرة، وهي التي تحصل من سلع
الاستهلاك، كما قد تكون غير مباشرة، وهي التي تحصل عليها من سلع الإنتاج
(أي السلع الوسيطة أي من الأموال غير المباشرة) مثل المنشآت والآلات
والسندات.
ارتفاع المنفعة الكلية، وانخفاض المنفعة الحدية
- ترتفع المنفعة الكلية بزيادة الاستهلاك .
- تنخفض المنفعة الحدية بزيادة الاستهلاك .
- المنفعة الكلية مفعول طردي للاستهلاك ، أي تتناسب تناسبا طرديا مع الاستهلاك .
- المنفعة الحدية مفعول عكسي للاستهلاك ، أي تتناسب تناسبا عكسيا مع الاستهلاك .
قوانين المنفعة:
لاستخلاص القوانين التي تحكم المنفعة عندهم نفترض كمية محدودة من مال من
نوع واحد (الخبز مثلا) ونفترض أن هذه الكمية تنقسم إلى وحدات متساوية تماما
، وأن هذه الوحدات تستخدم على التوالي في إشباع الحاجة (إلى الطعام مثلا)
فلكل وحدة من الخبز منفعة ، ولكن هذه الوحدات المتساوية ، حينما تستهلك على
التوالي لإشباع الحاجة ، لا تحقق للمستهلك المنفعة نفسها (أي القدر نفسه
من الإشباع) . لتوضيح ذلك : نفرض أن شخصا قد استهلك خمس وحدات من الخبز على
التوالي ، فتكون المنافع التي حققها من هذا الاستهلاك هي: مثلا : (8 + 7 +
6 + 4 + 1 = 26). ونلاحظ على ذلك ما يلي:
أولا: زيادة المنفعة الكلية بزيادة الاستهلاك، فالمنفعة الكلية – كما قلنا
سابقا – هي مجموع المنافع التي يحصل عليها المستهلك من جميع الوحدات
المستهلكة، فهي مفعول طردي للاستهلاك، تنخفض بانخفاضه، وترتفع بارتفاعه.
ثانيا: انخفاض المنفعة الحدية بزيادة الاستهلاك ، فقد لاحظنا أن المنفعة
الكلية تزداد بزيادة الوحدات المستهلكة. ونلاحظ أن نسبة الزيادة في المنفعة
الكلية يأتي نتيجة لاستهلاك الوحدة الأخيرة .
بعكس ذلك نلاحظ أن المنفعة الحدية تميل إلى التناقص مع زيادة الاستهلاك،
وهذه الظاهرة تعرف (بقانون تناقص المنفعة الحدية) فقانون تناقص المنفعة مع
زيادة الاستهلاك ينطبق بداهة على المنفعة الحدية لا الكلية.
وهو ينطبق على منفعة المال بالنسبة للمستهلك، دون أن ينطبق على منفعة
المال في ذاته، فظاهرة تناقص المنفعة الحدية لا تعود إلى ذات المال، لأن
طبيعة الأشياء تقضي أن تكون المنفعة الذاتية للوحدات المتشابهة متساوية،
وإنما تعود إلى ذات المستهلك.
وكل قدر من الاستهلاك يحقق للحاجة قدراً من الإشباع مما يقلل من حدتها
فلما كانت منفعة المال بالنسبة للمستهلك تقاس بحدة حاجته، فإنها تقل بقلة
حدة الحاجة، أي بزيادة الاستهلاك.
فالمنفعة الحدية مفعول عكسي للاستهلاك. والمنفعة الحدية تتوقف على حدة
الحاجة، وعلى كمية المال المعد لإشباعها، إذ كلما كثرت هذه الكمية وارتفع
لذلك إشباع الحاجة، قلت حدتها، وبالتالي قل الإشباع الإضافي، وتأخذ المنفعة
الحدية في التناقص مع استمرار الاستهلاك حتى تصبح صفراً. عندئذ لا يضيف
الاستهلاك الإضافي إلى المنفعة الكلية شيئاً، بل يأخذ في جلب الألم.
القيمة
بعث (ريكاردو) إلى (مالتوس) خطابا في 9 أكتوبر سنة 1820 قال فيه: (إن
الاقتصاد السياسي، فيما ترى بحث في طبيعة الثروة وأسبابها، ولكنه فيما أرى،
بحث في القوانين التي تحكم توزيع ناتج الصناعة بين الطبقات التي تسهم في
تكوينه، إننا لا يمكن أن نصل إلى قانون صحيح يحكم حجم الثروة، ولكننا يمكن
أن نصل إلى قانون صحيح يحكم توزيعها، ولقد ازددت اقتناعاً يوماً بعد يوم،
بأن البحث الأول عبث ووهم، وبأن البحث الثاني هو وحده الموضوع الحقيقي لعلم
الاقتصاد).
ومع أن هناك أموراً كثيرة قد أشغلت الاقتصاديين التقليديين، وأخذت حيزاً
كبيراً من اهتماماتهم، مثل بحث الأجر والفائدة والريع والربح. ولكن التركيز
في البحث كان منصباً على دراسة القيمة والتوزيع.
القيمة :
هي الأهمية الاقتصادية التي يخلعها الفرد أو المجتمع على مال ما تسمى
الأهمية التي يخلعها الفرد على مال ما (قيمة الاستعمال) أو قيمة الاستهلاك،
وتسمى الأهمية التي يخلعها المجتمع على مالٍ ما (قيمة الاستبدال).
تسمى الأهمية التي يخلعها المجتمع على مال ما (قيمة الاستبدال). وقد استخدم (أدم سميث) كلمة القيمة في هذين المعنيين المختلفين:
أولهما: للدلالة على منفعة شيء ما، وهذه هي (قيمة الاستهلاك) .
وثانيهما: للدلالة على القدرة التي يقدمها هذا الشيء لمن يملكه على شراء السلع الأخرى وهذه هي (قيمة المبادلة).
القيمة نوعان عند الرأسماليين :
1- القيمة الجارية.
2- القيمة الحقيقية أو الطبيعية.
القيمة الجارية: هي التي تحدد في السوق تحديداً وقتياً، وذلك بتلاقي العرض والطلب، وهي ما تعرف بالثمن الجاري.
القيمة الحقيقية أو الطبيعية هي: قيمة الأشياء أو السلع غير القابلة
لإعادة إنتاجها، ولا يمكن للعمل أن يزيد من كميتها، وعلى ذلك فإن قيمتها لا
تنخفض بزيادة العرض، فقيمة هذه السلع تستقل عن كمية العمل اللازمة
لإنتاجها، وإنما تتوقف على ثروة هؤلاء الذين يرغبون في حيازتها وعلى
رغباتهم.
مثل هذه الأشياء: لوحات فنان معروف، أو التماثيل، أو الكتب والعملات
النادرة، أو غير ذلك من التحف النادرة، وتتوقف قيمة هذه الأشياء على الندرة
من جانب العرض والإلحاح من جانب الطلب. أي أنها تتوقف على الندرة النسبية،
وهي ندرة العرض بالنسبة للطلب. غير أن ريكاردو قد قصر استخدام كلمة القيمة
على قيمة المبادلة، وسنعرض هنا معنى قيمة الاستعمال، ومعنى قيمة المبادلة.
قيمة الاستعمال:
إن قيمة الاستعمال أو الاستهلاك، هي قدرة المال على الإشباع، أي هي
المنافع الشخصية التي يقدمها المال للفرد فهي قيمة شخصية، لأنها تنتج عن
الاستعمال الشخصي. يتضح من هذا :
1- أن قيمة الاستعمال لا تتوقف على قيام السوق. إذ يمكن تصورها بمجرد وجود
الشخص دون حاجة إلى وجود الجماعة، فلو تصورنا إنساناً يعيش بعيداً عن
الجماعة، أي بعيداً عن السوق مثل: (روبنصن كروزو) فإن هذا التصور لا يستبعد
قيمة الاستهلاك، فما دام أنه يحس بحاجات، ويستعمل أموالاً لإشباعها فإن
لهذه الأموال بالنسبة له قيمة استعمال. وهو يوازن في سبيل حصوله على أكبر
إشباع ممكن أي على أكبر قيمة استهلاك، ممكنة بين استعمالات هذه الأموال في
الأوجه المختلفة.
ومثال آخر: لو تصورنا راكب بحر أشرف على الغرق وأراد أن يخفف حمله بأن
يقذف في البحر بعض متاعه، فإنه يوازن بين هذه الأموال، وهو في سبيل التخلص
من بعضها على أساس قيمة الاستعمال. ولا حاجة هنا لقيام السوق لترتيب هذه
النتائج.
2- إن قيمة الاستعمال قيمة شخصية لا قيمة موضوعية، فهي تتوقف على حالة
الشخص، وعلى ظروفه الاجتماعية، وعلى عاداته، وعلى ثقافته، وعلى درجة حرمانه
وقت الاستعمال.
إذا هي تختلف من شخص إلى آخر. كما تختلف بالنسبة للشخص الواحد من وقت
لآخر، تبعا لدرجة حرمانه. وهذا يخرج بنا إلى قانون تناقص القيمة أي:
(المنفعة الحدية).
قيمة المبادلة:
هي قيمة مال بالنسبة لمال آخر، أي هي القوة الشرائية للمال، أي هي قدرة
المال على أن يتبادل مع مال آخر، وإذا كان أحد المالين نقدا سمي ثمنا.
فالثمن هو تعبير عن قيمة مبادلة مال بنقود. فقيمة المبادلة تقتضي التبادل،
أي تقتضي قيام شخصين ينزل كل منهما عن المال الذي معه، مقابل المال الذي مع
الشخص الآخر. فقيام المبادلة لا تتصور من غير قيام الجماعة وأنها تقتضي
قيام السوق. فالاختلاف بين قيمة الاستعمال، وقيمة المبادلة؛ أن قيمة
المبادلة لا تتصور من غير السوق. أما قيمة الاستعمال، فيكتفي في شأنه بوجود
شخص واحد، وهو المستهلك.
كما أن قيمة المبادلة قيمة موضوعية، تختلف من سوق إلى سوق أخرى. وذلك على
عكس قيمة الاستعمال، فهي قيمة شخصية، تختلف من شخص إلى آخر.
هل هناك علاقة بين قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة ؟ نستطيع أن نجيب على
هذا السؤال من زاوية أن المنفعة هي أساس الطلب، وأن الندرة النسبية هي أساس
العرض وهما معا يشكلان أساس المنفعة.
إن (آدم سميث) قد خلص بالقول إلى عدم ارتباط المنفعة وقيمة المبادلة، وبنى
ذلك على رؤيته من أن كثيرا من السلع ذات المنفعة المرتفعة تكاد تنعدم قيمة
مبادلتها، مثل الماء والهواء. وأن كثيرا من السلع ذات المنفعة المنخفضة
تتمتع بقيمة مبادلة مرتفعة مثل الماس وبعض اللوحات الفنية.
وفي الحقيقة أن الصلة موجودة بين القيمتين، بحيث تسمح هذه العلاقة بإدخال
قيمة الاستعمال ضمن مفسرات قيمة المبادلة، وقد بينت دراسات الاقتصاديين
الغربيين أن لهذه الحقيقة أثرا كبيرا في نظرية القيمة.
فمن المؤكد أن الشيء لا يمكن أن تكون له قيمة إن لم يكن نافعا، غير أن
المنفعة لا تكفي وحدها لأن يكون للشيء قيمة، بل لا بد أن يكون الشيء نادرا
بالنسبة للحاجات، وإلا فإنه لا يعدو أن يكون من الأموال الحرة التي لا تكون
لها قيمة مبادلة كالماء والهواء.
النظرات المفسرة للقيمة
تعددت النظريات المفسرة للقيمة عند علماء الاقتصاد الغربيين:
منهم من اعتمد في تفسيره للقيمة على تفسيره للقيمة الحقيقية. وهي ما يعرف
(بقيمة المبادلة) لا بتفسير الأثمان الجارية، فاتجهوا تارة نحو النفقة،
وتارة نحو المنفعة؛ فاعتمدوا على نفقة الإنتاج مع اختلاف في تحديد مضمون
هذه النفقة، ونتيجة لذلك فقد اهتموا بتحليل العرض مثل المدرسة التقليدية،
والمدرسة الماركسية. وهذه هي النظريات الموضوعية.
واهتم البعض الآخر على تحليل الطلب، وهذه هي النظرية الشخصية في القيمة؛
وقد قال بهذا ما يسمى بالمدرسة النفسية أو (المدرسة الحدية).
وقد برز لكثير من الباحثين نقص في الاتجاهين، فقالوا بنظرية توفيقية،
وتزعم هذه النظرية (الفرد مارشال) فاعتمد في نظريته على نفقة الإنتاج
والمنفعة معا أي على تحليل العرض والطلب معا.
وظهر اتجاه رابع، ونسميه اتجاه اجتماعي، ويعتمد في تفسير القيمة على تأثير
المؤسسات السياسية والاجتماعية، وهو ما يعرف (بالنظرية الاجتماعية في
القيمة) أو (نظرية القيمة الاجتماعية) وهي نظرية موضوعية اجتماعية.
فتكون هذه أربع نظريات في تفسير القيمة، وهي:
1- النظرية التي تعتمد على تحليل نفقة الإنتاج أي على (تحليل العرض).
2- النظرية التي تعتمد على تحليل المنفعة أي على (تحليل الطلب).
3- النظرية الموفقة، وتعتمد على تحليل (العرض والطلب معا).
4- النظرية الاجتماعية، وتعتمد على (تحليل أثر المؤسسات السياسية والاجتماعية).
والباحثون التقليديون ركزوا بحثهم على نفقة الإنتاج بمعناها الواسع ليشمل
كل عناصرها، أما الماركسيون فقد قصروها على عنصر العمل وحده.
فقال التقليديون بأن نفقة الإنتاج هي مجموعة من القيم، وهي قيم أموال
الإنتاج. أما الماركسيون فحصروا القيمة بكمية العمل المبذول في إنتاجها أي
حصروها في العمل فقط.
نقدم للبحث نظريات بارزة في هذا المجال وهي:
1- نظرية (آدم سميث)
2- نظرية (ريكاردو)
3- النظرية (التقليدية)
4- النظرية (الماركسية) .
فتحي محمد سليم