بسم الله الرحمن الرحيم (يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } العلم درجات: أولها الصمت، والثانية الاستماع، والثالثة الحفظ، والرابعة العمل، والخامسة النشر ***مروان طاهات*** يرحب بكم ويكيبيديا الموسوعة المروانية MANT

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

نظرة في أسس الاقتصاد الرأسمالي 2

- نظرية آدم سميث:
سميث 1723 – 1790م. ولد في كيركالدي في أسكتلندا. درس في أكسفورد لمدة ست سنوات وفي عام 1751 عرض عليه كرسي مادة المنطق في جامعة جلاسجو. ثم منح كرسي الفلسفة الأخلاقية وانتخب مديرا لجامعة جلاسجو. أهم مؤلفاته كتاب (ثروة الشعوب) الذي أكسبه شهرة فائقة.
يعترض سميث على تدخل الحكومة في جهاز السوق، لأنه يقول بالحرية الاقتصادية. لأن السوق إذا تركت وشأنها فسوف تعنى بحاجات المجتمع حيث تتدخل قوانين التطور لترفع المجتمع إلى مستوى الرفاهية.
ويتحدث عن قوانين التطور، وأولها قانون التجميع، فسميث يرى في التجميع منفعة ضخمة للمجتمع لأن رأس المال إذا استخدم في آلات هيأ ذلك التقسيم المدهش للعمل، والذي يضاعف من طاقة الإنسان الإنتاجية.
يفرق آدم سميث بين نوعين من الأثمان (أي القيمة) وهما: الثمن الاسمي، وهو ما يعرف (بالثمن الجاري) أو (بثمن السوق)، والثمن الحقيقي، وهو ما يعرف (بالثمن الطبيعي)، فالثمن الجاري يتوقف على العلاقة بين العرض والطلب.
أما الثمن الحقيقي لشيء ما، فإنه يتوقف على الألم (الجهد) الذي يلزم تحمله للحصول على هذا الشيء.
ويقول آدم سميث في بداية دراسته لهذه الملاحظة: وهي أن الأشياء التي تتمتع بقيمة استعمال كبيرة، لا تكون لها في العادة إلا قيمة مبادلة صغيرة، أو لا تكون لها قيمة مبادلة بالمرة؛ مثل الماء والهواء، وأن الأشياء التي لها قيمة استعمال صغيرة عادة ما تكون لها قيمة استبدال كبيرة مثل الماس.
فيكون آدم سميث بذلك قد أثر في توجيه نظريته في القيمة، واستبعد المنفعة من دراسته للقيمة، ووجه دراسته إلى عامل آخر، وهو الألم (الجهد) الذي يلزم  تحمله للحصول على الشيء.
ومضمون هذا الألم (الجهد) – كما يقول – يتوقف على مدى بدائية الجماعات وتمدنها؛ فكان تفريقه لقيمة المبادلة متوقف على الجماعات البدائية والجماعات المتمدنة.
فيقول: إن تلك الجماعات التي سبقت تملك الأرض، وسبقت تراكم رؤوس الأموال، كان عنصر الإنتاج الوحيد هو العمل، وهو الوحيد الذي يتطلب تحمل الألم (الجهد) للحصول على شيء ما.
فخلص آدم سميث إلى أن كمية العمل هي أساس قيمة المبادلة في هذه الجماعات البدائية.
أما الجماعات المتمدنة التي يقصدها سميث، فهي تلك التي تكون الأرض فيها موضوعا للملكية، والتي تتراكم فيها رؤوس الأموال، ومعنى ذلك أن العمل لم يعد عنصر الإنتاج الوحيد الذي يستلزم الألم (الجهد) في سبيل الحصول عليه، لأن الحصول على الأرض، وعلى رأس المال يتطلب ألما (جهدا) فخلص آدم سميث بذلك إلى رفض نظرية كمية العمل فيما يخص هذه الجماعات، وخلص إلى تفسير القيمة (بنفقة الإنتاج) ويقصد بذلك أي (نفقة الإنتاج المعدل الطبيعي لكل من الأجر والريع والربح).
 
2- نظرية (ريكاردو) في القيمة:
ريكاردو (1772 – 1823) نشأ ريكاردو في أسرة يهودية هولندية سبق أن استوطنت في انجلترا، وخرج عن الديانة اليهودية في مرحلة مبكرة، واشتغل سمسارا في بورصة الأوراق المالية. وبعد أن جمع ثروة كبيرة خلال وقت قصير، أصبح من ملاك الأراضي وعضوا في البرلمان.
ويعتبر ريكاردو من أعظم ممثلي مدرسة الاقتصاد الكلاسيكي؛ ومن أهم مؤلفاته كتاب (مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب).
ومن أبرز نظرياته نظرية القيمة والتوزيع. ويعترف ريكاردو بأن المنفعة أساسية إذا أريد أن تكون للسلعة قيمة تبادلية ولكنه لا يعتبرها مقياسا للقيمة وبهذا قال ماركس أيضا.
يقول ريكاردو: إن التحسن المطرد في الأجور الذي يتوقف على الطلب على العمل، يتزايد باستمرار، ولا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بالتراكم المستمر لرأس المال. ولكن ماركس يعكس الأمر فيقول إن تراكم رأس المال هو نتيجة استغلال جهد العامل، وأخذ الفائض من إنتاجه الذي هو حقه اغتصبه منه صاحب العمل.
أما نظريته في الأجور فواضحة جدا، كما أن له نظرية مشهورة في الريع التفاضلي عند بحثه في المنتجات الزراعية، وتناول أيضا مشكلات النقود والمصرفية وجهاز المدفوعات الدولية.
وقد اختلف مع آدم سميث في نظرية هبوط الأرباح عند التقدم الاقتصادي إذ أن ازدياد التكوين (التراكم) الرأسمالي يصحبه اشتداد المنافسة بين الرأسماليين وهذا يعمل على خفض الأرباح. عارض ريكاردو هذه الفكرة وقال: إن الهبوط في الأرباح يحصل إذا كان مصحوبا بارتفاع في الأجور، وهذا أمر ربطه ريكاردو بموضوع الزيادة السكانية.
بدأ ريكاردو دراسته للقيمة بالشكل الذي أثاره آدم سميث وهو التعارض بين مقدار المنفعة، ومقدار القيمة، فذكر أن الماء والهواء ولهما منفعة كبيرة ليست لهما في الحياة العادية قيمة مبادلة. وأن الذهب وهو أقل منفعة منهما، له قيمة مبادلة كبيرة؛ فانتهى ريكاردو نتيجة هذا البحث أي التعارض القائم بين المنفعة والقيمة إلى استبعاد المنفعة من تحديد قيمة المبادلة، مع اعترافه بأن المنفعة ضرورية لها.
كما يفرق ريكاردو بين القيمة الجارية والقيمة الحقيقية – فيقول – إن القيمة الجارية تتوقف على العلاقة بين العرض والطلب. وأما القيمة الحقيقية، فقد فرق بين نوعين من السلع، وهما السلع التي لا يمكن مضاعفة عرضها، والسلع التي يمكن مضاعفة عرضها – فقال: إن السلع التي لا يمكن مضاعفة عرضها مثل التماثيل والصور والكتب النادرة، تتوقف قيمتها على ندرتها النسبية أي: على علاقة الكمية الموجودة منها برغبة المشترين لها.
أما السلع التي يمكن مضاعفة عرضها، فقيمتها تتحدد بكمية العمل اللازم للحصول عليها. ويقصد ريكاردو بكمية العمل: (العمل المباشر) و (العمل غير المباشر) أي المستخدم في صناعة الأدوات والآلات ، والمباني اللازمة لإنتاج هذه السلع . ومعنى ذلك عند ريكاردو أن كمية العمل التي تحدد القيمة تشتمل على عنصر رأس المال أيضا، والذي يسميه العمل غير المباشر.
أما القيمة التي تتحدد بكمية العمل فإنها تتغير تغيرا جوهريا نتيجة لاختلاف المدة التي يستثمرها رأس المال الثابت، ولاختلاف رأس المال الثابت إلى رأس المال المتغير، وهو ما يعرف (بالتركيب العضوي لرأس المال) من صناعة إلى صناعة أخرى، يؤدي ذلك إلى إدخال عامل آخر في تحديد القيمة وهو الأجور. وفي النهاية فإن ريكاردو يقول بأن الريع – وهو إنتاج الأرض – مثلا لا يدخل في تكوين القيمة.
ونظرية القيمة عند ريكاردو في قيمة العمل، قد فتحت الطريق أمام الماركسية لنظرية (فائض القيمة).
 
3- نظرية (ماركس) في القيمة:
كارل هنريخ ماركس (1818 – 1883). ولد من أسرة يهودية في ترير بألمانيا. وفي عام 1824م نبذ والده الديانة اليهودية، واعتنق المسيحية على المذهب البروتستنتي.
درس والده كتابات فولتر، وقرأ آراء روسو في السياسة والاجتماع، كان على علم بفلسفة كانط. فكانت هذه الدراسات عند والده قد أثرت في توجيهه إلى التطلع نحو التغيير في المجتمعات التي يعيش فيها.
القرنان الثامن عشر والتاسع عشر، تركزت فيهما عقيدة فصل الدين عن الحياة، وأخذت الرأسمالية البورجوازية تضرب بجذورها في جميع أنحاء أوروبا وبخاصة بعد أن وجد لفيف من الفلاسفة والمفكرين، إثر ترسيخ قاعدة الحريات، وعلى رأسها حرية الفكر وحرية الكتابة وحرية النقد.
وفي تلك الحقبة مرت أوروبا بتقلبات سياسية كثيرة واصطلت بنيران ثورات وحروب أدت إلى تغيرات كثيرة في التركيبات السياسية والاتحادات الإقليمية. ومع عدم وجود الاستقرار السياسي في تلك الاتحادات والدويلات، صاحب ذلك اضطرابات اقتصادية جراء تركز الحرية الاقتصادية فكانت الطبقية بارزة بين طبقات البورجوازيين بين أصحاب رؤوس الأموال وبين طبقة العمال، إضافة إلى وجود الطبقات الارستقراطية الحاكمة.
في خضم هذه الظواهر التصارعية، ومع بعض الدراسات التي أثرت في تكوين عقلية كارل ماركوس، تأثرا كثيرا بالأفكار الاشتراكية.
فقام بوضع الأسس الأيديولوجية، فوضع المادية الجدلية وهي تبحث في أصول المادة وأصل الإنسان، وقال بقانون التطور. ثم وضع المادية التاريخية، وصنف على أثرها المجتمعات البشرية بناء على الوضع الاقتصادي لكل عصر، بمعنى أن كل مجتمع كان يتشكل بشكل أداة الإنتاج وأساليب الإنتاج، ويتم الانتقال طبيعيا في المجتمعات بناء على تغير وتبدل أداة الإنتاج ومفاهيم الإنتاج.
قرر ماركس الانصراف إلى دراسة موضوع الاشتراكية بعد أن اطلع على (تاريخ الحركة الاشتراكية في فرنسا) الذي كتبه لورنز فون شتاين، ثم قرأ عن تاريخ فرنسا وإنجلترا وألمانيا، وعن تاريخ النظم السياسية المختلفة. وطالع كتابات ريكاردو وغيره من الاقتصاديين الإنجليز. وبعد هذه الدراسات استطاع أن ينشر مقالا باسم (مقدمة لنقد فلسفة هيجل).
نظرية القيمة:
إن نظرية ماركس في القيمة ليست جديدة، وإنما هي امتداد لنظرية كمية العمل السابقة عليها، والتي وضع أصولها (آدم سميث) في فرض الجماعات البدائية ومن بعده (ريكاردو) في فرض المراحل الأولى للجماعة. ولكن الجديد في نظرية ماركس أنه قد طبقها على العمل نفسه، واستنبط منها نظريته في (فائض القيمة) التي تعتبر أساسا لتحليله للنظام الرأسمالي ولهجومه عليه.
يقول ماركس: تتحدد قيمة السلعة بكمية العمل التي تبذل فيها. وكمية العمل هذه أو مدة العمل اللازمة هي في المتوسط أي مدة العمل اللازمة اجتماعيا لإنتاج المنتجات.
ثم يقول: (إن مدة العمل اللازمة اجتماعيا هي المدة التي يتطلبها كل عمل بواسطة درجة متوسطة من الكفاءة، وفي ظروف تعتبر عادية، بالنسبة لوسط اجتماعي معين، فكمية العمل مع ملاحظة المعني المتقدم، أي مدة العمل اللازمة في جماعة معينة لإنتاج سلعة ما هي وحدها التي تحدد قيمتها، ولذلك: فإن القيمة هي العمل.
ويقول ماركس: فقيمة سلعة ما بالنسبة لقيمة سلعة أخرى (تتحدد بنسبة العمل اللازمة لإنتاجها إلى مدة العمل اللازمة لإنتاج السلعة الأخرى؛ وعلى ذلك إن قيمة السلعة تبقى ثابتة ما بقيت مدة العمل اللازمة لإنتاجها ثابتة، ولكن المدة اللازمة لإنتاج السلع تتغير تبعا لتغير القدرة الإنتاجية للعمل، وتتوقف القدرة الإنتاجية للعمل على اعتبارات مختلفة من بينها متوسط كفاءة العمال، وتقدم العلم ودرجة الأخذ في الفن الإنتاجي، ومدى وكفاءة وسائل الإنتاج والظروف الطبيعية.
وقد خلص ماركس إلى أنه كلما ارتفعت القدرة الإنتاجية للعمل، انخفضت – كقاعدة عامة – المدة اللازمة لإنتاج السلع وانخفضت كمية العمل المختزن فيها، وانخفضت قيمتها. وعلى العكس من ذلك، كلما انخفضت القدرة الإنتاجية للعمل ازدادت المدة اللازمة لإنتاج السلع وارتفعت قيمتها. وعلى ذلك فإن قيمة سلعة ما تتغير في اتجاه طردي مع كمية العمل، وفي اتجاه عكسي مع القدرة الإنتاجية للعمل. ونلاحظ أن تغير القدرة الإنتاجية يؤثر في كمية العمل. وعلى ذلك فالقدرة الإنتاجية ليست عاملا قائما بذاته، بل إنها تؤثر في القيمة عن طريق تأثيرها في كمية العمل.
والقيمة عند ماركس لا تتحدد بالعمل المباشر فقط، بل إن القيمة تتحدد عنده بالعمل المباشر الذي قام به العمال الذين أنتجوا السلعة موضوع الاعتبار، وبالعمل غير المباشر الذي قام به الذين أنتجوا الأدوات المستخدمة في إنتاج هذه السلعة (العمل المختزن).
وتقاس كمية العمل عند ماركس بعدد الساعات التي تتطلبها. ولكن ليس من طبيعة واحدة، ولا يمكن أن تتساوى ساعة عمل مع ساعة عمل مختلف؛ عندئذ لجأ ماركس إلى ضرورة تحويل العمل الموصوف إلى عمل بسيط إذ أن العمل الموصوف يعتبر مضاعف العمل البسيط. ولكن كيف يمكن أن نتعرف على العمل المضاعف؟ أي كيف يمكن أن نحدد معدل تحويل العمل الموصوف إلى العمل البسيط؟ يعتمد ماركس في ذلك على معدل مبادلة المنتجات، فإذا تبادل تمثال صغير تطلب ساعتين من عمل مثّال، مع حمل من الأحجار تطلب عشرين ساعة من عمل قاطع أحجار، فإن هذا يدل على أن ساعة من عمل المثّال تساوي عشر ساعات من عمل قاطع الأحجار وعلى ذلك فإن المضاعف، أي معدل تحويل عمل المثّال إلى عمل قاطع الأحجار وهو عشرة.
من هنا يتضح مدى تأثر ماركس بريكاردو في صياغته لنظرية (كمية العمل) واضطراره شأن ريكاردو أن يلجأ إلى قوى السوق وهي المبادلة وهو بصدد تفسير القيمة بعد أن تصور أن نظرية العمل قد أغنته عن ذلك.
وخلص ماركس إلى أنه من الممكن أن يكون للشيء (قيمة استعمال) أي منفعة دون أن يكون له قيمة مبادلة. ويكفي لذلك أن يكون الشيء نافعا دون أن ينتج عن عمله. ومثل ذلك الهواء والماء والبراري الطبيعية، والأرض البكر، ولكنه خلص من ناحية أخرى إلى أن العكس غير صحيح. ذلك أن أي شيء لا يمكن أن يكون له قيمة إن لم يكن نافعا فإذا لم يكن نافعا فإن العمل الذي يتضمنه يكون قد أنفق بلا فائدة ، ولا يخلق نتيجة لذلك أية قيمة.
ومن هنا يتضح أن ماركس يعتبر المنفعة ضرورية للقيمة وشرطا أساسيا لها. ولكنه من ناحية أخرى لا يعتمد عليها في تفسير القيمة، ولا في قياسها، فقد انتهى إلى أنه (من المؤكد أننا لا نأخذ في الاعتبار قيمة استعمال المنتجات ونحن بصدد مبادلتها بغيرها) ومن الواضح أن هذا هو موقف ريكاردو نفسه، من علاقة المنفعة بالقيمة. ويفسر ماركس استبعاد قيمة الاستعمال من نطاق تفسير القيمة بأن قيمة الاستعمال ليست مشتركة بين الأموال، إذ أنها تختلف من مال لآخر ومن شخص إلى آخر. ويخلص ماركس إلى أنه بعد استبعاد قيمة استعمال قيمة الأشياء لا يبقى لها إلا الصفة المشتركة وهي أنها ترجع إلى العمل الإنساني أي إلى إنفاق قوة عمل إنسانية بصرف النظر عن الشكل الذي أنفقت فيه هذه القوة. وانتهى ماركس، وقد اعتبر العمل صفة مشتركة في جميع المنتجات إلى أن العمل هو أساس القيمة، وإلى أن مدة العمل هي مقياس كميتها.
القيمة وفائض القيمة:
طبق ماركس على العمل النظرية التي طبقها على أي سلعة أخرى، وخلص إلى أن قيمة قوة العمل تتحدد بكمية العمل اللازم لإنتاجها، وعلى ذلك فإن رب العمل لا يعطي للعامل إلا القدر اللازم لاستمراره (واستمرار جنسه) حتى يعمل، ويحتجز لنفسه الفرق بين قيمة المنتجات وقيمة قوة العمل، وهو ما يعرف (بفائض القيمة) وقد استخدم ماركس فائض القيمة للهجوم على الرأسمالية.
لقد اعتبر كارل ماركس العمل سلعة تباع وتشترى شأن غيره من السلع. فالعامل يبيع قوة عمله لرب العمل. وعلى ذلك تكون له شأن بائع أية سلعة أخرى قيمة المبادلة، وينزل عن قيمة الاستعمال (أي ذات العمل) التي أصبحت ملكا لرب العمل أي للمشتري. وعلى ذلك خلص ماركس إلى أن العامل تكون له قيمة قوة العمل لا قيمة ناتج العمل أي خلص إلى أن الأجر هو ثمن قوة العمل لا ثمن المنتجات. وعلى ذلك فإن الأجر يتحدد في نظره بقيمة قوة العمل، لا بقيمة المنتجات.
لقد فرق ماركس بين العمل وقوة العمل، ويعني بقوة العمل قدرات المرء الجسمانية والذهنية على أداء العمل. وإذا أصبحت قوة العمل سلعة تباع وتشترى لهذا فقيمتها تحددها (تكاليف إنتاجها) أي يحددها العمل اللازم لإنتاجها، ويقصد بهذا وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل العيش اللازمة للإبقاء على حياة العامل وأسرته.
والفرق بين هذا الحد الأدنى اللازم للإبقاء على العامل وأسرته، وبين قدرة العامل الإنتاجية عندما تستخدم في العمل يظهر على هيئة (فائض قيمة) وهذا هو سر تجميع أو تكوين رأس المال.
مناقشة القيمة عند ماركس:
انطلق ماركس من قاعدة حقده على الرأسمالية، وعدائه لمن يقول بالملكية الخاصة، متأثرا في ذلك بالواقع الذي تعيشه أوروبا. ثم تناول الرأسمالية في قواعدها وفروعها، واستعمل ذكاءه في تفنيدها ومن ثم تحطيمها.
 
وإذ نحن بصدد بحث القيمة – فقد ابتدأ في بحثه للقيمة من حيث بدأ سميث ثم ريكاردو، أي قال بأن قيمة السلعة هو مقدار العمل المبذول فيها سواء العمل المباشر أو غير المباشر (المختزن) كما يقول ريكاردو. ولكنه وهو يقول بإلغاء رأس المال، وانتفاء ما يسمى بالربح أو الفائض الذي يتكون منه رأس المال، فرق بين القيمة، وفائض القيمة. كما إنه وإن اعترف بضرورة وجود المنفعة، إلا أنه لم يعتبرها عند تقديره للقيمة، كما فعل ريكاردو. وركز على العمل فقط. ثم إن تفريقه بين العمل وقوة العمل، كان مدخلا له لإيجاد فائض القيمة الذي يتكون منها الربح لصاحب العمل، والذي هو (أي الربح) أساس لتكوين رأس المال.
وعندئذ نادى بالعمال – إن أصحاب العمل يظلمونهم باستئثارهم بالفائض الناتج عن عملهم وجهدهم، بعد إعطائه ما يسد الكفاف كأجر لهم – حسب نظرية ريكاردو في الأجور.
ولما قال ماركس : (إن القيمة هي العمل) بغض النظر عن تفريقه بين العمل البسيط والمضاعف – اجتهادا منه – فإنه يكون بذلك قد أهمل منتجات الطبيعة التي لا يداخلها عمل. فهي بناء على قاعدته ليس لها قيمة.
وأحيانا يعتبر ماركس المنفعة ضرورية للقيمة، وشرطا أساسيا لها، ولكنه من ناحية أخرى لا يعتمد عليها في تفسير القيمة ولا في قياسها فهو يقول: (من المؤكد أننا لا نأخذ في الاعتبار قيمة استعمال المنتجات ونحن بصدد مبادلتها بغيرها) .
ونلاحظ هنا مغالطة منطقية، مضمونها أن ماركس حينما أراد أن يبحث عن أساس القيمة، أراد لها أساسا مشتركا بين الأموال. وقد رفض لهذا السبب المنفعة كأساس للقيمة، لأنه وجد أن المنفعة لا تصلح أساسا مشتركا، إذ هي تختلف من شخص إلى شخص آخر. ثم قال بالعمل كمفسر للقيمة، وقدمه كأساس مشترك، ونسي أن العمل يختلف شأن المنفعة فيما يرتبه من ألم (جهد) من شخص إلى شخص.
وكيف يقول ماركس: (إن المنفعة ضرورية للقيمة، وبأنها الدعامة المادية لها) ثم لا يدخلها في تفسير القيمة ولا في قياسها ؟!
ونظرية ماركس هذه وهي: (كمية العمل) فيها ابتعاد عن الواقع إذ كثيرا ما لا تتناسب قيمة المبادلة أي: (الأثمان النسبية) مع كمية العمل المبذولة في السلعة، فليس من الضروري أن تكون أكبر الأشياء قيمة أكثرها تضمنا لعمل. فمن ناحية توجد أشياء تقتضي كمية كبيرة من العلم، وتكون قيمتها منخفضة. كما توجد من ناحية أخرى أشياء لا تقتضي إلا كمية قليلة من العمل، وتكون قيمتها مرتفعة. وكذلك توجد أشياء تقتضي كمية واحدة من العمل ولكنها تختلف في القيمة، ويمكن أن نفسر هذه الأوضاع السابقة باختلاف منفعة الأشياء.
وأخيرا فإن بحث القيمة ومناقشتها يأتي فيما بعد.
 
4- النظرية التقليدية:
لقد بنى التقليديون بحثهم في نظرية القيمة على الأسس التي وضعها آدم سميث ومن بعده ريكاردو. ولكنهم خالفوهما بأن فرقوا بتفسيرهم للقيمة بين قيمة الاستهلاك وقيمة الاستبدال، وخلصوا إلى أن أساسهما ليس واحدا.
فالتقليديون أمثال: (ستيورات ميل) و(كاري) وغيرهما قد أخذوا المنفعة بمعناها الكلي؛ فقد اهتموا بمنفعة الشيء عموما أي ما يعرف بالقيمة المجردة، ولم يهتموا بمنفعة الجزء النهائي منه، أي أنهم لم يعترفوا بالمنفعة الحدية.
أما بالنسبة لمنفعة الاستبدال فقد فرقوا بين الأشياء القابلة لإعادة إنتاجها وقد تحدثنا عنها سابقا – وخلصوا إلى أن القيمة الأولى تتوقف على نفقة الإنتاج، وإلى أن قيمة الثانية تستقل عنها.
وأخيرا يتضح أن النظرية التقليدية تفرق بين قيمة الاستعمال وتفسرها بالمنفعة، وقيمة مبادلة الأشياء غير القابلة لإعادة إنتاجها وتفسرها بالندرة النسبية، وقيمة مبادلة الأشياء القابلة لإعادة إنتاجها وتفسرها بنفقة الإنتاج، أي بالعمل ورأس المال. هذه الحالة الأخيرة في النظرية التقليدية يسمونها نظرية (نفقة الإنتاج).
 
الثمن:
يتحدد الثمن بتلاقي العرض والطلب، ونقطة التلاقي هذه هي وحدها التي تحقق التوازن، التوازن بين الكمية المعروضة والكمية المطلوبة، وهي وحدها التي تحقق التوازن أي توازن الثمن.
ثمن التوازن هذا لا يكون إلا واحدا: وهو وحده الذي يمكن أن يكون الثمن الفعلي والحقيقي للسوق، وهو الذي يحقق أكبر كمية ممكنة من المبيعات.
وهذا يرجع بدوره إلى المنافسة الكاملة. ومعنى وحدة الثمن أنه: لا يمكن أن يوجد في وقت واحد، في سوق واحدة، عدة أثمان لسلعة واحدة، وعلى ذلك فالحديث عن وحدة الثمن يفترض إذن: وحدة الزمن، ووحدة السوق، ووحدة السلعة. وإذا تخلف أحد هذه الشروط فلا مجال للحديث عن وحدة الثمن أو توازن الثمن.
وتفسر وحدة الثمن في المنافسة الكاملة بذرية ، العرض والطلب وبحرية الدخول والخروج وحرية التنقل داخل السوق وبتوافر شرط العلم، وبتجانس السلعة. لأنه إذا حدث ورغب أحد البائعين في بيع سلعته بثمن أعلى مما يبيع به الآخرون، فإن المشترين ينصرفون عنه إلى الآخرين، مما يحمله على خفض ثمنه ومن ناحية أخرى لا يكون هناك مسوغ لأن يبيع أي منتج بثمن أقل من ثمن السوق، إذ ليس من صالحه تخفيض الثمن عن ثمن السوق، لأنه يفترض أنه يستطيع بيع أي كمية من الإنتاج يريد بيعها بثمن السوق، ولأن التخفيض في الثمن يؤدي إلى تخفيض الربح الكلي. وعلى ذلك لا يمكن أن يكون في سوق المنافسة الكاملة إلا ثمن واحد.
وهذا هو الذي يسمى ثمن التوازن أي توازن العرض والطلب. ولا يمكن أن يتم توازن العرض والطلب إلا في سوق المنافسة الكاملة. وشروط المنافسة الكاملة أن يكون عدد كبير من البائعين، وعدد كبير من المشترين؛ بحيث لا يؤثر أحد من البائعين على واقع السوق إذا انسحب من السوق، وكذلك إذا انسحب أحد المشترين. وهذا ما يسمى ذرية العرض وذرية الطلب، وأن لا يكون هناك اتفاق بين البائعين أو المشترين، وأن يكون العلم لدى البائعين ولدى المشترين متوفرا على واقع السوق، وهذا مع وحدة السلعة، ووحدة الزمن.
بعد كل هذا تقول الدراسات عند الاقتصاديين: إن أي ثمن أعلى من ثمن التوازن سينخفض إليه تلقائيا نتيجة لميكانيكية العرض والطلب. كما أن أي ثمن أقل من ثمن التوازن يرتفع إليه تلقائيا نتيجة لميكانيكية العرض والطلب. فثمن التوازن هو وحده الثمن الفعلي للسوق.
 
حول العرض والطلب والثمن
تقوم قوى السوق وهي: العرض والطلب والثمن في النظام الرأسمالي:
1. بتوزيع الموارد المنتجة على فروع الإنتاج المختلفة، أي على المنتجين. فالمنتج الذي يستطيع دفع ثمن الموارد المنتجة يمكن أن يحصل فيها على ما يريد، وأن يحرم غيره من المنتجين الذين لا يستطيعون دفع الثمن.
2. تقوم بتوزيع المنتجات على المستهلكين. فالمستهلك الذي يستطيع دفع ثمن سلع الاستهلاك يمكن أن يحصل منها على ما يريد وأن يحرم غيره منها.
 
دور الثمن
إذا حدث عدم توازن في سوق عوامل الإنتاج، أو في سوق أموال المستهلكين، بين العرض والطلب، فإن تغيرات الأثمان تعيد التوازن بينهما.
فإذا حدث وارتفع طلب المنتجين على عوامل الإنتاج عن عرضها، أو طلب المستهلكين على أموال الاستهلاك عن عرضها؛ فإن الثمن يرتفع بحيث يزيد العرض ويقل الطلب حتى يتساويا؛ وإذا حدث وانخفض هذا الطلب عن العرض فإن الثمن ينخفض ، بحيث يعيد التوازن بينهما.
من هنا يتضح أن الثمن هو الذي يوزع عوامل الإنتاج بين المنتجين، ويوزع أموال الاستهلاك بين المستهلكين، وأن تغيرات الأثمان هي التي تقيم التوازن في السوق عوامل الإنتاج، وفي سوق أموال المستهلكين.
ويبقى أن نلاحظ أن قوى السوق تعكس رغبات المستهلك، بمعنى أن الإنتاج نوعا وكما يتجه إلى تلبية هذه الرغبات.
أي أن زيادة طلب المستهلكين على سلعة معينة تؤدي إلى رفع ثمنها مما يؤدي إلى زيادة إنتاج هذه السلعة. وهو ما يستلزم بالتالي تخصيص جزء أكبر من الموارد المنتجة لإنتاجها. فكأن المستهلك – كالثمن – يتحكم في النهاية في تحديد الإنتاج كما ونوعا أي في توزيع الموارد المنتجة على فروع الإنتاج. فتحي محمد سليم