بحث الخوصصة
إن مصطلح الخصخصة شاع استعماله في الأدبيات الغربية و الأدبيات العربية، و لكن يوجد الكثير لا يدركون لحد الآن أبعاد هذا المصطلح و معناه الحقيقي، لذلك نحاول من خلال هذا المبحث إزالة الغموض و لو بقدر صغير، و ذلك بالتعرض لمفهوم الخصخصة و دوافعها و شروط نجاحها .
المطلب الأول : مفهوم خوصصة البنوك
ظهر مصطلح الخوصصة لأول مرة في قواميس اللغة في أوائل الثمانينات و لكن ترجع جذوره إلى البرنامج الشامل الذي قامت به حكومة المحافضين البريطانية لعام 1979 ثم انتقلت التجارب إلى باقي دول العالم .
و لهذا المصطلح عدة مرادفات و هي التخاصية، التخصصية، و التخصيص، و الخصخصة، و الآداب الاقتصادية العربية تفضل استخدام مصطلح الخصخصة .[1]1
و هناك عدة مفاهيم للخصخصة تختلف حسب رؤية الدولة و هدفها من الخصخصة نذكرها فيما يلي :
أولا : الخصخصة تعني توسيع الملكية الخاصة و زيادة دور القطاع الخاص داخل الاقتصاد و ذلك من خلال تصفية القطاع العام كليا أو جزئيا أو بإتباع أي أسلوب آخر في عملية الخصخصة، و توسيع الملكية يعني عدم خروج القطاع العام من النشاط الاقتصادي مباشرة و لكن بنسبة معينة فقط .
ثانيا : الخصخصة تعني الوسيلة التي تتبعها الدولة للتخلص من الوحدات الخاسرة في القطاع العام بتحويل هذه الوحدات إلى القطاع الخاص و هذا ما يؤدي إلى زيادة و تحسين الإنتاجية و زيادة الأرباح .
ثالثا : الخصخصة عكس التأمين بمعنى تحويل الملكية العامة إلى ملكية خاصة فمعظم البنوك العامة كانت بنوك خاصة قبل تأميمها .
رابعا : الخصخصة تعني التخلص من الاقتصاد الاشتراكي و التحول إلى اقتصاد السوق لمواكبة النظام العالمي الجديد و التحرر الاقتصادي .
لذلك يجب على الدولة تحديد و بدقة المفهوم الذي سوف تتبعه لكي يسهل عليها تحديد الخطوات التنفيذية التي ستقوم بها وفقا لهذا المفهوم .[2]2
و بالتالي يمكن تعريف الخصخصة على أنها :
" أداة تستطيع الدولة بواسطتها توفير المال و تقديم خدمات أفضل " .
" تخفيف دور الدولة و زيادة دور القطاع الخاص في ملكية و إدارة الأنشطة المختلفة " .
عرفها شبيب عماري 1998 على أنها :
" نقل ملكية بعض أو كل مؤسسات القطاع العام التي تقوم بإنتاج و بيع سلع و خدمات للقطاع الخاص و تحويلها إلى شركات تدار على أسس تجارية ".[3]3
أما خوصصة البنوك فنعني بها توسيع قاعدة الملكية من خلال طرح جزء من راس مال تلك البنوك للبيع و التداول في بورصة الأوراق المالية و بالتدريج لخلق بيئة تنافسية في السوق المعرفية و تحقيق كفاءة اكبر لتلك البنوك في ظل العولمة بحيث يقوم صاحب القرار باختيار البنك المراد خصخصته لسبب أو لآخر مثل
"اختيار أحد البنوك المفلسة " ثم يقوم بطرح اسهم هذا البنك للاكتتاب بعد تقييم أصوله و خصومه واعادة هيكلة وتأهيله لعملية الخصخصة على أن تحتفظ الحكومة بملكية جزء كبير من رأس المال هذا البنك كمرحلة أولى ثم تزداد نسبة البيع للقطاع الخاص جزئيا أي تدريجيا مع الآخر في عين الاعتبار الطاقة الاستيعابية لسوق المال أي خصخصة البنوك تتم على المدى الطويل أو المتوسط ( جزئية ) مع السماح لمستثمر استراتيجي أن يمتلك كل الحصة المطروحة أو أن يمتلك الجزء الأكبر منها لأن ذلك سيؤدي إلى سيطرته في القرار . [4]
معنى ذلك أن عملية خصخصة البنوك يجب أن تتم باتباع إجراءات معينة وبشروط معينة .
المطلب الثاني : شروط وضوابط نجاح خوصصة البنوك
- إعادة هيكلة البنوك المراد خصخصتها وحل مشكلاتها وضمان حقوق العاملين فيها
- أن تكون الخصخصة جزئية أي تدريجيا بمعنى عدم حدوث خروج مفاجئ للقطاع العام .
- عدم السماح لحدوث سيطرة من طرف الأجانب على البنوك المحلية .
- تأكيد استقلالية البنك المركزي وزيادة قوته وسيطرته على السياسة النقدية, دون أن تخل الخصخصة بضروريات الرقابة على المؤسسات المصرفية و المالية .
- إصدار بعض القوانين لعدم المنافسة ومنع الاحتكار القطاع المصرفي .
- تفعيل نظام التأمين على الودائع وهذا لزيادة ثقة المودعين في الجهاز المصرفي ولتزداد قدرة البنوك على المنافسة وتزداد أرباحها وتقل مخاطرها .
- ضرورة احتفاظ البنك المركزي باحتياطات مرتفعة من النقد الأجنبي للوقوف ضد أي أزمات في سعر الصرف وتلبية احتياجات البنوك من النقد الأجنبي .
- استخدام التقنيات المصرفية الجديدة وتطوير الجهاز المصرفي لمسايرة التطورات العالمية و التكيف مع العولمة . [5]
- المطلب الثالث : دوافع خصخصة البنوك و الأهداف المراد تحقيقها
أولا : دوافع خصخصة البنوك
أصبح الكثير يرون أن المشاكل الاقتصادية سببه تدهور القطاع العام و فشله و أصبحوا ينضرون للخوصصة كوسيلة ناجحة لحل هذه المشاكل و لكن المشاكل الاقتصادية ليست هي الدافع الوحيد
- الدافع الاقتصادي : إن الأنظمة الاقتصادية التي تعتمد على آليات السوق و المنافسة تزيد من الكفاءة و ترفع من الأداء و تؤدي إلى تحسين الجودة، كما قد يكون الدافع الأساسي هو فشل القطاع العام في تحقيق التنمية الاقتصادية و من بين المؤشرات الدالة على ذلك حالات التضخم و البطالة و العجز في الميزانية .
- الدافع المالي : تقوم الدولة بتقديم الخدمات العامة و هي تعاني من عبء هذه الخدمات في الميزانية و قيامها بالخوصصة سيخفف عليها هذه الأعباء و بذلك تتفرغ الدولة إلى الأنشطة الاستراتيجية التي لا يمكن التنازل عنها إلى القطاع العام، و يمكن اعتبار الخوصصة مصدر لتمويل الخزينة من خلال بيع الشركات التي تملكها .
- الدافع القانوني : تعتبر الخوصصة وسيلة لتحرر القرار الإداري من السلطة السياسية و من السيطرة الحكومية.
- الدافع الاجتماعي : في ظل القطاع العام تحدث بعض التقصيرات من طرف العمال كالإهمال و التواكل بالإضافة إلى عدم المحاسبة على الإهمال كنوع من التكفل الاجتماعي و في ظل القطاع الخاص يمكن إيجاد نوع من التحفيز الشخصي على الإنتاج و القضاء على السلبية و تحقيق الإنظباط، و شدة المحاسبة تكون من صالح العمال بحيث تؤدي إلى إنتاج أكثر و بتكلفة أقل و بجودة أعلى و بالتالي تزيد الأرباح و هنا يتحول العامل إلى شريك في مكاسب المؤسسة . [6]1
و يمكن تلخيص أهم الدوافع التي كانت السبب في خصخصة البنوك في التالي :
- زيادة التوجه نحو العولمة و التحرر الاقتصادي و إزالة القيود أمام حركة الأموال و خاصة مع توقيع معظم الدول على اتفاقية تحرير الخدمات المالية و المصرفية .
- تزايد اتجاه الأفراد لتحويل مدخراتهم الموضوعة في البنوك إلى أدوات استثمارية في أسواق المال أو من خلال صناديق الاستثمار التابعة للبنوك أو للشركات و اتجاه المؤسسات غير المصرفية لاقتحام العمل المصرفي و منافسة البنوك في خدماتها .
- ظهور ما يسمى بالصيرفة الإلكترونية والبنوك الإلكترونية أو ما يسمى بالبنك المنزلي أو البنك على الخط و تنفيذ العمليات المصرفية باستخدام الهاتف ببصمة الصوت أو عبر شبكة الإنترنت .
- انتشار ما يسمي بالبنوك الشاملة و توسيع عملياتها و ظهور الاندماج المصرفي من خلال تكوين كيانات مصرفية عملاقة .
- انخفاض معدل الفائدة في البنوك العامة مقارنة بالبنوك الخاصة .
- ارتفاع العمالة في البنوك العامة بالمقارنة بالبنوك الخاصة كما أن معدل العائد على حقوق الملكية في البنوك العامة أقل من مثيله في البنوك الخاصة .
ثانيا : أهداف خوصصة البنوك
- تعميق المنافسة في السوق المصرفية و تحسين الأداء المصرفي بالاهتمام بتمويل المشروعات الأكثر ربحية بالاستناد إلى المعايير الاقتصادية السليمة و تحسين الجودة .
- تنشيط سوق الأوراق المالية و توسيع قاعدة الملكية ، فأسهم البنوك تلقى ثقة كبيرة من المتعاملين في البورصة، فزيادة طرح أسهم البنوك العامة في البورصة يؤدي إلى زيادة المعروض من الأوراق المالية و زيادة سعة السوق و تطويرها كما تؤدي إلى تشجيع الأفراد على زيادة مدخراتهم لاستثمارها في شراء تلك الأسهم .
- تحديث الإدارة و زيادة كفاءة أداء الخدمات المصرفية، فالخوصصة تؤدي إلى تحرر القرار الإداري سواء في المجال الاستثمار أو أداء الخدمات المصرفية فتحرير الإدارة و زيادة درجة استقلاليتها يزيد من قدرة البنوك على المنافسة و التطوير و استعمال التكنولوجيات المتطورة و هذا ما أثبته نجاح كل من البنوك المشتركة و بنوك الاستثمار و الأعمال و فروع البنوك الأجنبية .
- ترشيد الإنفاق العام و إدارة أفضل للسياسة النقدية ، فقيام الدولة ببيع جزء من ملكيتها يزيد من حجم إراداتها التي ستخدمها في استثمارات معينة و بالتالي تتفرغ الدولة للقيام بوظائفها الأساسية التي لا يمكن التخلي عنها للقطاع الخاص .
- خصخصة البنوك تسمح بإدارة السياسة النقدية بطريقة غير مباشرة مثل استخدام عمليات السوق المفتوحة لكفاءة أكبر و ذلك في ظل وجود سوق الأوراق المالية متطورة . [8]1
خاتمة المبحث :
الخوصصة هي نقل الملكيات العامة إلى الملكيات الخاصة ، و زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد ، و لكن الخوصصة الناجحة هي التي تتم بظوابط معينة و دون أي آثار اجتماعية .
المبحث الثاني : خوصصة البنوك – أساليب ، أبعاد ، آراء –
تمهيد : هناك عدة أساليب لأي خوصصة ، بالإضافة إلى اختلاف وجهات عن هذه العملية و نحاول في هذا المبحث التعرف عن أساليب الخوصصة و أبعادها و أهم الآراء حولها .
المطلب الأول :أساليب الخوصصة
- عقود الإدارة
وهو عبارة عن اتفاق بين مؤسسة عامة و أخرى خاصة لقيام هذه الأخيرة بإدارة المؤسسة العامة و دلك من خلال تحويل حقوق التشغيل مع احتفاظ المؤسسة العامة بحقوق الملكية و مقابل حصول المؤسسة الخاصة على رسوم مع بقاء المؤسسة العمومية مسؤولة عن نفقات التشغيل و الاستثمار ، و تلجأ الدول لاستخدام هذه الطريقة لتنشيط الشركات الخاسرة .
2 - عقود التأجير :
بتأجير المشروع العام الذي تملكه الدولة لمستأجر في القطاع الخاص يتولى تشغيله مقابل دفعات سنوية تدفع للحكومة بغض النظر عن الأرباح التي حققها المستأجر الذي يتحمل المخاطر التشغيلية .
3 - أسلوب الامتياز :
و هو عقد محدد المدة يتعهد بمقتضاه أحد أشخاص القانون العام إلى أحد أشخاص القانون الخاص بمهمة قيامه بتقديم بعض الحاجات لجماعة معينة عن طريق إنشاء و تسيير مرفق عام من نفقاته الخاصة و تحت مسئوليته مقابل حصوله على مبالغ معينة من المنتفعين بهذا المرفق و ذلك تحت إشراف ورقابة الدولة .
- البيع إلى القطاع الخاص :
تقوم الدولة وفق هذا الأسلوب ببيع بعض المؤسسات العامة بالكامل أو بيع بعض مجوداتها و حقوقها و التزاماتها إلى القطاع الخاص و يتم ذلك عن طريق البيع المباشر أو عن طريق المزاد العلني بنشر دعوة في وسائل الإعلان المختلفة لزيادة المنافسة بين المشترين لتحديد سعر مناسب للبيع ، أو باستخدام أسلوب البيع عن طريق طلب عروض العطاءات تتم المقارنة بينها و اختيار المشتري الذي يعرض أعلى سعر ، أو الاعتماد على أسلوب البيع لمستثمر أجنبي يتميز بالخبرة العالية و الإمكانيات الواسعة، قد يتم الحصول على مستثمر إستراتيجي عن طريق تعاقد الدولة مع بيوت الخبرة العالمية ، كما قد يتم بيع الأسهم في الأسواق المالية بالاكتتاب العام محليا أو دوليا أو إلى الإدارة أو العاملين
5 – مقايضة الديون:
و حسب هذا الأسلوب تقوم الدولة بنقل ملكيتها لبعض الأصول إلى الدائن بمعنى القيام بتسديد ديونها بأصول تملكها أو أن تقدم عددا من الأسهم لسداد الدين، و هذه الطريقة تسمح بجلب مستثمرين جدد بالإضافة إلى تخفيف المديونية الخارجية للدولة .
أوتقسيم المشروع الحكومي إلى عدة وحدات منفصلة تمكنها من بيع أجزاء منه للقطاع الخاص و تحتفظ بالباقي . [9]1
و فيما يتعلق بخصخصة البنوك فهناك أربع أساليب و هي :
الأسلوب الأول :
زيادة راس مال البنك الذي تم اختياره للخصخصة ثم زيادة رأس ماله على أن تكون الزيادة مقتصرة على القطاع الخاص من خلال الاكتتاب العام في الأسهم التي يمكن تداولها في سوق الأوراق المالية مع ضرورة اختيار الوقت المناسب لطرح هذه الأسهم في البورصة ، هذا الأسلوب لا يحتاج الخوض في إشكالية تقييم أصول و خصوم البنك لتحديد قيمة السهم الواحد ، كما يؤدي هذا الأسلوب إلى توفير موارد إضافية تساعد على توسيع حجم المعاملات و زيادة القدرة التنافسية أمام البنوك الأجنبية .
الأسلوب الثاني :
يتم في هذا الأسلوب طرح رأس المال الكلي للاكتتاب العام ثم يتم تقييم البنك المراد خصخصته و تحديد قيمة السهم الواحد و قد تتضمن العملية تحديد نسبة معينة من الأسهم للعاملين في البنك، على أن يتم التقييم بحضور جهات معينة و تحت إشراف البنك المركزي .
الأسلوب الثالث :
و هذا الأسلوب خاص بخصخصة الإدارة مع الاحتفاظ بالملكية العامة لرأس المال و هذا بهدف الاستفادة من المزايا الإدارية، مع حصول الدولة على الفائض السنوي من الأرباح دون الانشغال بالأمور الإدارية .
الأسلوب الرابع :
و يتعلق الأمر بالبيع لمستثمر رئيسي بما أن البنك المركزي يتمتع بالقوة و الاستقلالية في التحكم في السوق النقدي و المالي و مسؤولية حماية أموال المودعين و التحكم في المعروض النقدي و المسؤول على الرقابة على البنوك، فهناك من يرى ضرورة البيع لمواطنين محليين خوفا من سيطرة الأجانب ، كما أن البعض يرى ضرورة البيع لمستثمر إستراتيجي أجنبي للاستفادة من التكنولوجيات و تطوير نظم العمل المصرفي ، كما يقترح البعض البيع للبنوك العالمية متعددة الجنسيات مما يزيد من القيمة السوقية سهم . [10]1
المطلب الثاني : أبعاد الخوصصة
فبفضل الخوصصة يتحرر القرار الإداري من سيطرة الأجهزة الحكومية و النظم الإدارية و التنظيمية المطبقة في ظل الملكية العامة، فالبنوك العامة تفصل بين الملكية و الإدارة بمعنى هناك نوع من الحرية في اتخاذ القرارات التي تتلاءم مع أهداف البنك الحالية و المستقبلية، و رغم ذلك فهذه الحرية تتقيد بتعليمات حكومية تؤثر على البنوك في مجالات التوظيف و الاستثمار بالإضافة إلى أن البنوك لا تتمتع بالاستقلالية في وضع سياسات العمالة و الأجور و الخدمات المصرفية المتنوعة، فالخوصصة تمكن البنوك من أخذ مجال أوسع من الحرية في اتخاذ القرارات و في جميع الميادين و هذا لمسايرة الظروف و التطورات التي فرضتها العولمة، بالإضافة إلى أن الخوصصة تبدأ باختيار البنك الأضعف ماليا و إداريا، كما أن البنوك التي لم يتم خصخصتها بعد تستفيد و تتأثر بشكل إيجابي نتيجة خصخصة الفكر المصرفي .
ثانيا : البعد التنموي للبنوك العامة
من الملاحظ أن البنوك العامة تلعب دورا هاما في دعم برامج الإصلاح الاقتصادي و المساهمة في خوصصة المشروعات الإنتاجية و تمويل المشروعات القومية الكبيرة و تنشيط أسواق رأس المال و تعمل على تحقيق التوازن المالي على مستوى الموازنة العامة بالإضافة إلى دورها في جذب المدخرات المحلية و توجيهها نحو مجالات الاستثمار وفقا للأولويات المقررة في برامج الإصلاح الاقتصادي و قيامها بوظائف البنوك الشاملة لصالح الحكومة، فالبعض يعتقد بأن البنوك العامة أكثر قدرة على تنفيذ برامج الحكومة إلا أن التغيرات التي حدثت مؤخرا و كل التجارب التي قامت بها الدول من عمليات الخصخصة أكدت على أنه بالإمكان القيام بخصخصة البنوك العامة دون الإخلال بالدور الذي تلعبه هذه البنوك في مجالات التنمية، فالخوصصة لا تعن نقل الملكية العامة كليا و بنسبة 100 % إلى القطاع الخاص و لكنها تعني الخصخصة الجزئية و بنسب معينة و في إطار ضوابط معينة و بمراقبة فعلة من طرف البنك المركزي الذي يجب أن يتمتع بكل الصلاحيات و الاستقلالية اللازمة .
ثالثا : البعد الاجتماعي للبنوك
نلاحظ أن البنوك الخاصة تتجه إلى تطبيق تكنولوجيات متطورة في مجال الخدمات المصرفية بالإضافة إلى ميكنة النظم المصرفية، فيرى البعض أن خصخصة البنوك العامة تؤدي إلى الاستغناء عن العمالة الزائدة، و رغم ذلك فتوجد خدمات ذات طابع اجتماعي مثل خدمة أصحاب المعاشات و النقابات العمالية و المهنية و كذلك خدمة صغار المستثمرين في المشروعات الصغيرة و الحرفية و التعاونية التي تتيح لهم إمكانية الحصول على الائتمان بشروط ميسرة و بدون ضمانات مساهمة منها في علاج البطالة، و يمكن علاج ذلك بخصخصة البنوك من خلال الحفاظ على حقوق العاملين بل و قد يتم وضع برامج تدريبية لرفع كفاءة العاملين و الاستفادة من قدراتهم .
رابعا : البعد الزمني لخصخصة البنوك
يوجد اتجاهان رئيسيان و هما :
الاتجاه الأول : هناك من يرى ضرورة تأجيل الخصخصة إلى غاية الانتهاء من خصخصة المشروعات الإنتاجية و غير الإنتاجية، فخصخصة هذه الأخيرة تؤدي إلى سداد مديونياتها اتجاه البنوك و من ثم تحسين وضعية البنوك لحصولها على الموارد المالية تساعدها في القيام بتقييم مرتفع لأسهم البنك ، بالإضافة إلى مراعاة الطاقة الاستيعابية لسوق رأس المال .
الاتجاه الثاني : يرى ضرورة التعجيل في خصخصة البنوك في مرحلة مبكرة بإعداد خطة هادفة و تدريجية لإحداث التوازن في سوق رأس المال و بإشراف البنك المركزي، و ذلك باختيار بنك عام يطرح للخصخصة بأسلوب توسيع الملكية على أن تقيم التجربة بعد ذلك لمعرفة مدى نجاح العملية .[12]1
خامسا : البعد القانوني
إن أغلبية البنوك العامة كانت بنوك خاصة قبل تأميمها و خصخصتها تتطلب تغيير قانون الحالي الذي يجعل للبنوك العامة جمعية عمومية برئاسة محافظ البنك المركزي، على عكس بنوك الأعمال و بنوك الاستثمار التي يمكن بيعها في أي وقت دون تعديل قانوني لأنها غير مملوكة بالكامل للحكومة بل تساهم فيها البنوك العامة فقط . [13]1
المطلب الثالث : آراء حول الخصخصة
هناك آراء متعارضة حول موضوع الخصخصة بين مؤيد لها نظرا لما لها من أهمية في تحسين أداء البنوك و معارض لها و ذلك للاعتبارات التالية :
الآراء المؤيدة لخصخصة البنوك العامة :
* بما أن البنك المركزي يستمر في إشرافه و رقابته على البنوك حتى بعد خصخصتها فهذا لا يمنع بيعها دون الإضرار بالعمالة لأنه غالبا ما يتم دراسة كل الأمور بعناية قبل إتمام عملية الخصخصة و الأرجح أن يتم زيادة كفاءة هذه العمالة عن طريق دورات تدريبية، لذلك من الذي يمنع القيام بخصخصة البنوك العامة .
* تعتبر الخصخصة أمرا هاما و ضروريا لمواجهة التحديات من جراء التكتلات العملاقة و الشركات العابرة للقارات .
* و يرى مدير المركز العربي للدراسات المالية و المصرفية الدكتور " نبيل حشاد " ضرورة إدخال إصلاحات جوهرية على الجهاز المصرفي لاسيما إذا تعلق الأمر بقضيتي الدمج و الخصخصة، فدمج البنوك قرار صحيح يؤدي إلى خلق كيانات مصرفية قوية و لكن إذا تعلق الأمر بالخصخصة فيجب إصلاح البنوك أولا و إعداد دراسات متعمقة في الموضوع و العمل على تحرير الخدمات المصرفية كي تستطيع البنوك الوقوف أمام المنافسة القوية التي تفرضها العولمة، و لابد على الدول النامية التسريع في إدخال إصلاحات جوهرية على جهازها المصرفي خاصة مع اقتراب تطبيق مقررات لجنة " بال 2 " التي تحدد معايير كفاية رأس المال و غيرها من الشروط المتعلقة بقواعد الحذر و الرقابة المصرفية .
الآراء المعارضة لخصخصة البنوك العامة :
* باعتبارها ستجعل الأجانب يسيطرون على الجهاز المصرفي، فهناك بعض التشريعات التي تمكن الأجانب من تملك رؤوس أموال البنوك العامة مع تحديد النسبة التي يمكن أن يمتلكها الأجانب، ففي مصر على سبيل المثال تحدد هذه النسبة ب 49 % من رأس مال البنك،فإذا ذهبت ملكيتها إلى مستثمرين أجانب فلن يهمهم إلا تحقيق الأرباح بالإضافة إلى أنهم سيقومون بتحويلها إلى الخارج كما يستطيعون تحويل ودائع و مدخرات العملاء إلى الخارج دون أن يراجعهم أحد و بالتالي حرمان السوق الوطنية من هذه الأموال و من الدور التنموي و الاجتماعي الذي تؤديه، و نفس الشيء الذي سيحدث حتى ولو ذهبت الملكية لمستثمرين محليين فسيقودهم نفس الهدف و هو الربح السريع و الكبير .[14]2
* كما أن البيع لمستثمر إستراتيجي أجنبي خاصة إذا كانت حصته تمنح له حق الإدارة فهذا قد يؤدي إلى فرض الهيمنة على القطاع المصرفي و هذا ما لا يخدم قضية التنمية و تمويل المشروعات الموجهة إلى الشرائح الصغيرة .
* و يرى البعض من الاقتصاديين أنه يجب أن تتم خصخصة البنوك العامة بالتدريج و ليس مرة واحدة و ذلك وفقا للطاقة الاستيعابية للبورصة .
* و ناد البعض بخصخصة الإدارة و ليس الملكية لأن ذلك يسمح بإدخال التعديلات و الاستفادة من الكفاءات دون فقدان الملكية، و ذلك من خلال الاستعانة بالإدارة الجيدة كأن يتم التعاقد مع شركة متخصصة تتولى إدارة البنك العام لمدة معينة و تكون هذه الإدارة في صورة شركة مساهمة لها رأس مال كبير تتولى تسيير البنك مقابل نسبة معينة من الأرباح، و إذا ما حدث خلل في عملها يلغى العقد و بالتالي لا يكون هناك حاجة لبيع البنك العام .
* هناك من إعترض خصخصة بنوك قطاع الأعمال نظرا للدور الحيوي الذي تحتله تلك البنوك كعصب للاقتصاد القومي و كأداة بيد الدولة لمواجهة الاختلالات كالتضخم و الانكماش، فالبنوك وحدها قادرة على التأثير على حجم السيولة المحلية عن طريق قدرتها في خلق النقود بمنح القروض و خصخصة البنوك تعتبر خطوة خاطئة بحيث ثبت وقت الأزمات ما للبنوك ن دور هام في دعم الاقتصاد الوطني بحيث تقوم بتمويل المشروعات الكبرى و يم عبر فروعها صرف المعاشات و ببيعها نخسر تيار متدفق من الأموال كان من الممكن أن تستفيد منها خزانة الدولة .
* و يشير أحد الاقتصاديين بأن أصول البنك يمكن أن تزداد قيمتها بمرور الزمن بحيث يتم تقييم أصول و خصوم البنك قبل بيعه من طرف بيوت السمسرة المحلية و قد يلجأ المستثمرين محليين أو أجانب إلى بيع البنك مستقبلا أي بعد شراؤه و ذلك بهدف تحقيق أرباح أكبر مما قد يخل بالقواعد المصرفية و الإقدام على أنشطة مالية غير مشروعة كتمويل الإرهاب أو تجارة المخدرات و هذا الإخلال قد يعرض البنك للتجميد أو الإفلاس .
* يجب عدم التعجيل في تحرير القطاع المصرفي دون وجود ضمانات تشريعية و رقابية تمثل إطار لمنظومة متكاملة للحد من الآثار السلبية لهذا التحرر .[15]1
خاتمة المبحث :
اختلفت أساليب الخوصصة في البنوك فقد يتم البيع كليا إلى القطاع الخاص أو بيع جزئي ، إلا أن أهم وسيلة في نظري هي خوصصة الإدارة مع الاحتفاظ بالملكية .
المبحث الثالث : آفاق الخوصصة في الجزائر
تمهيد :
قامت الجزائر بعدة إصلاحات اقتصادية و مصرفية ، و نحاول من خلال هذا المبحث تسليط الضوء على أهم المحطات الإصلاحية التي عرفتها منذ الاستقلال و الإشارة إلى علاقتها مع صندوق النقد الدولي.
المطلب الأول : الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر
اتبعت الجزائر بعد الاستقلال سياسة اشتراكية حيث عرفت عدة إصلاحات من خلال مرحلتين :
أولا : مرحلة القرار المستقل :
- ما بعد الاستقلال : فبعد الاستقلال ظهرت بعض المشاكل التسيرية للجهاز الإنتاجي نتيجة خروج المعمرين الأوروبيين الأمر الذي دفع العمال لتسيير إدارة تلك المشروعات الاقتصادية حسب" مراسيم 1963 حول التسيير الذاتي " ثم عرفت سلسلة من التأمينات كتأميم الأراضي في 1963 و تأميم المناجم و تأميم البنوك في 1966، ثم بعد ذلك مرت الجزائر بمرحلة المخططات التنموية كالمخطط الثلاثي ( 1967 –1969 ) و الرباعي الأول (1970-1973 ) و الرباعي الثاني ( 1974-1977 ) .
- التعديل الهيكلي 1989 : تتمثل الأسباب الجوهرية للتعديل الهيكلي في الأزمة الاقتصادية التي مرت بثلاث مراحل :
مرحلة انفجار الأزمة : بحيث كان هناك عجز في تمويل البلاد من المواد الأولية و النصف مصنعة و كذلك الأزمة البترولية لسنة 1986 بحيث انخفض سعر البرميل إلى 10 دولار و انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى 0.6 % و انخفضت مناصب الشغل إلى 40% و ارتفعت معدلات التضخم .
و من بين الإجراءات المتخذة ما يلي :
- تخفيض قيمة العملة المحلية و ضبط الإنفاق الحكومي و اتباع سياسة تقشفية ؛
- تعديل الدستور الجزائري في إطار الإصلاحات الاقتصادية ؛
- تقرر حق الملكية الخاصة دون أي قيد و التخلي عن احتكار الدولة للتجارة الخارجية ؛
- و فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي تقرر حسب القانون90/10 فتح فروع للبنوك الأجنبية مع الترخيص لغير المقيمين بتحويل رؤوس الأموال إلى الجزائر و إنشاء بنوك خاصة ؛
- إعادة هيكلة المؤسسات العمومية من خلال إعادة تنظيم التسيير الداخلي لها و وضع إستراتيجية التكيف و التحكم مع الأخذ بعين الاعتبار السوق و التطور التكنولوجي لخلق قيمة إضافية في الإنتاج و تعزيز نظام الإعلام و الاتصال في المؤسسات ؛
- مواصلة عملية تطهير المؤسسات و دعم استقلاليتها حسب القانون 88/01 ؛
- أما في الإطار الخدمي للبنوك التي لا تؤدي وظيفتها بحيث يقتصر دورها في منح القروض للمؤسسات لتغطية فشلها لتشكو بعد ذلك من أخطار عدم الدفع بالإضافة إلى سوء التسيير في منح القروض . [16]1
و لم تؤدي هذه الإصلاحات إلى النتائج المتوقعة بل تدهورت الوضعية الاقتصادية نتيجة للقوانين المفروضة على الأسعار و تسريح العمال بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي نتيجة ظاهرة الإرهاب و المديونية التي تمتص حوالي 80 % من إيرادات المحروقات ، كل هذه الظروف فرضت على الجزائر الاستعانة بصندوق النقد الدولي و البنك الدولي لإبرام عقود جديدة لاعادة جدولة الديون و ذلك من خلال إصلاحين هما :
التثبيت الاقتصادي : على المدى القصير و يتظمن السياسات المالية و النقدية بهدف معالجة الاختلالات في الموازنة العامة و ميزان المدفوعات و التحكم في التضخم والأسعار و البطالة .
التعديل الهيكلي : على المدى الطويل يتم فيه العديد من الإجراءات من أجل تحرير التجارة و الأسعار و خصخصة المؤسسات العامة .
و لقد قامت الجزائر بإبرام اتفاقيتي " STAND BY " الأولى في 30 ماي 1989 حيث حصلت على قرض بقيمة 300 مليون DTS و الثانية في جوان 1991 حصلت بموجبها على 210 DTS .
مرحلة القرار غير المستقل :
التعديل الهيكلي الأول93-94 : قامت الجزائر بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي لمدة سنة نتيجة الاختلال في ميزان المدفوعات بسبب انخفاض سعر البترول و نقص التمويل الخارجي بسبب ظاهرة الإرهاب و ارتفعت المديونية وبالإضافة إلى التضخم لذلك كان الهدف من هذا البرنامج تحقيق التوازنات الكبرى :
- تحرير الأسعار و إزالة القيود عن التجارة الخارجية و الحد من تدعيم السلع الأساسية و تخفيض قيمة العملة الوطنية إلى 50 % و تعديل الدينار حتى يكون قابل للتحول إلى عملات أخرى .
حققت هذه التعديلات نتائج مرضية لحد ما خاصة في تقليص معدل التضخم إلى 38.5 % و لكن استمرت المديونية و الاختلال في ميزان المدفوعات و البطالة الناتجة عن حل المؤسسات .
التعديل الهيكلي 95-98 : هذا التعديل كان مشروطا كتابيا و أدى إلى عدة نتائج منها :
تحقيق فائض في الخزينة بقيمة 3% سنة 1996 و تخفيض معدل البطالة من 21.7 %عام 95 إلى 7 % سنة 1997 و وصل إلى 4.8 % سنة 1998 و تحقيق احتياطي صرف ب 85مليار دولار و تقليص المديونية نتيجة جدولة الديون بحيث انخفضت خدمة الدين من 82% سنة 93 إلى 24% سنة 97، و صدر قانون خوصصة المؤسسات العامة من خلال المرسوم الرئاسي 22/95 على أن تبدأ بالسياحة و التجارة .
كلفت عملية تطهير المؤسسات 13 مليار دولار خلال 1994-1999، و رغم الاستقرار الاقتصادي المحقق بدرجة نسبية تبقى البطالة بحيث ارتفعت إلى 28 % سنة 1998 نتيجة تصفية المؤسسات و خوصصتها كما أن تحرير أسعار السلع و رفع الدعم عليها سنة 96 انعكس سلبا على مستوى المعيشة للأفراد .
يقوم البنك الدولي حاليا بتمويل مشروع لتحديث الموازنة الجزائرية مدته 5 سنوات بدأ العمل به سنة 2001 يهدف إلى توفير بيان شامل حول توزيع الموارد المالية العامة و وضع إطار النفقات الأساسية عن طريق استخدام أفضل المعلومات المتوفرة و تعزيز فعالية تنفيذ الموازنة مع الأخذ بعين الاعتبار آراء و تعليقات الخبراء حول المسائل المالية .[17]1
إصلاح المنظومة المصرفية
أولا : الإصلاح النقدي لعام 1971
الفلسفة التي قام عليها النظام المصرفي الجزائري هي نفسها الفلسفة التي قام عليها النظام الاقتصادي الوطني المعتمدة على التخطيط المركزي تم تأميم البنوك الأجنبية في 1966 و تكرست نشاطاتها في تمويل التنمية الوطنية حيث يقوم كل بنك بتمويل مجموعة من قطاعات الاقتصاد
ثالثا:الإصلاح النقدي لعام 1986
و فيها تقرر إستعادة البنك المركزي لدوره كبنك للبنوك ،استعادة مؤسسات التمويل دورها داخل نظام التمويل من خلال تعبئة الإدخار و توزيع القروض ، تقليل دور الخزينة في نظام التمويل و القضاء على مركزية الموارد المالية .
رابعا : الإصلاح النقدي لعام 1988
تقرر إعتبار البنك شخصية معنوية تجارية تخضع لمبدأ الاستقلالية و التوازن المحاسبي .
يمكن للمؤسسات المالية غير البنكية أن تقوم بعمليات التوظيف المالي كالحصول على أسهم ، و يمكن لمؤسسات القرض أن تلجأ للجمهور للإقتراض على المدى الطويل أو أن تطلب ديون خارجية .و على المستوى الكلي تم دعم دور البنك المركزي في تسيير السياسة النقدية .
خامسا :النظرة الجديدة و إصلاح عام 1990
قانون رقم 90-10 الصادر في 14/04/1990 المتعلق بالنقد و القرض
1 - الفصل بين الدائرة النقدية و الدائرة الحقيقية
- - الفصل بين الدائرة النقدية و دائرة ميزانية الدولة
- - الفصل بين دائرة ميزانية الدولة و دائرة القرض
- إنشاء سلطة نقدية وحيدة و مستقلة
- وضع نظام بنكي على مستويي
سادسا :الأمر 11/03
الصادر في 26/08/2003 أهم ما جاء به :
- السماح للبنك المركزي بممارسة مهامه بشكل أفضل
- الفصل على مستوى بنك الجزائر ما بين مجلس الإدارة و مجلس النقد و القرض .
- توسيع مهام مجلس النقد و القرض و تدعيم استقلالية لجنة البنوك
- تدعيم التشاور و التنسيق ما بين بنك الجزائر و الحكومة فيما يتعلق بالجانب المالي .
- إنشاء لجنة مشتركة بين بنك الجزائر و الوزارة المالية لتسيير الحقوق و الدين الخارجي .
و حسب القانون الصادر في 2003 فإن السلطة النقدية تتكون من :
الوزارة المالية و بنك الجزائر
المطلب الثاني : واقع الخوصصة في الجزائر
صدر قانون الخوصصة في 1995 في المرسوم الرئاسي 22/95 المؤرخ في 15 أوت 1995 على أن تركز على قطاعي السياحة و التجارة حيث مست 200 مؤسسة عمومية محلية صغيرة، و في نهاية 1996 تسارعت وتيرة حل المؤسسات و خوصصتها بعد إنشاء شركات جهوية قابضة، و قد خصصت الحكومة 112 مليار دولار في الموازنة الجديدة لعام 1995 من أجل النهوض بالمشروعات العامة و الخصخصة الجزئية المرخص بها أي بيع 4 % من أسهم المؤسسات العامة غير الإستراتيجية للقطاع الخاص المحلي و الأجنبي، بحيث كلفت عملية تطهير المؤسسات العامة 13 مليار دولار خلال 95/99. 1
كما أن خوصصة البنوك العامة أصبحت حتمية و لابد منها ، ولكن نجاحها مرتبط بالدور الذي تؤديه السلطة التي تضبط العمل فيما بعد حيث أكد ممثل البنك الدولي عند زيارته للجزائر في أواخر 2005 السيد " إيف دوفيفي " أن إمكانية القضاء على البطالة بالوصول إلى تنمية قوية تفوق 10 % تتعلق بخصخصة البنوك هذه الأخيرة التي تساهم في فتح السوق، و لكن هذا لا يعني القضاء كلية على البنوك العامة بحيث أكد ممثل البنك الدولي دور الحكومة في إنجاح أي خصخصة حيث تمثل سلطة الضبط و الحكم الذي يسير هاته العملية لكي لا تخرج عن نطاقها القانوني، فالخوصصة الناجحة هي التي تتم بأقل الآثار الاجتماعية، فمشكل الجزائر يكمن في النقص الفضيع في الإداريين و المؤهلين و الاقتصاديين الاختصاصيين فالجزائر دخلت في مرحلة جديدة في علاقتها مع البنك الدولي و هذا بعد تغير الاحتياجات الجزائرية من احتياجات مالية إلى مساعدات تقنية .[18]2
و لقد قررت الحكومة الجزائرية اللجوء إلى خصخصة ثلاث بنوك حكومية وهي القرض الشعبي الجزائري و البنك الوطني الجزائري و بنك التنمية المحلية هذه البنوك الثلاث من أصل ستة بنوك عامة تمثل 93% من السوق المالية، و تتم عملية الخصخصة من خلال بيع 51% من رأس مالها هذا الأمر الذي كان من المستحيلات قبل سنوات قليلة، و لقد أكد خبراء صندوق النقد الدولي أن إصلاح القطاع المصرفي و المالي ينبغي أن يكون من الأولويات الرئيسية للجزائر مؤكدين أن إصلاح البنوك الجزائرية هو مفتاح إصلاحات أخرى و شرط جوهري لإعادة تنشيط الاستثمارات الخاصة و ضمان نمو دائم.
و لقد عرض اقتراح على الحكومة الجزائرية لنقل إدارة بعض البنوك العامة إلى بنوك أجنبية يشهد لها بالشفافية و الفعالية .و لكن كل هذه الإجراءات تأتي بعد تأخر كلف الدولة مبالغ كبيرة بلغت 30 مليار دولار من جراء عمليات التطهير المتكررة على القطاع المصرفي على مدى عدة سنوات و بالتحديد منذ 1990 أو قبل ذلك بسنوات . كما قررت الحكومة إقامة وكالة مركزية " للإخطار و المراقبة " على مستوى البنوك و هو ما سيمكن البنوك الجزائرية من تسيير القروض بطريقة شفافة بالإضافة إلى تعزيز دور المراقبة الداخلية للبنوك، هذا ما سيمنع تكرار ما قد حدث على مستوى بنك الخليفة الذي سبب خسائر تجاوزت 1.2 مليار دولار منها 800 مليون دولار تحملها بنك الجزائر لوحده .[19]3
تجربة خصخصة البنوك في الجزائر :
أول بنك سيتم خصخصته هو القرض الشعبي الجزائري بحيث تم اختيار بنك الأعمال الذي سيشرف على عملية فتح رأس ماله قبل نهاية 2006 و بالتحديد في جوان، ثم يأتي دور بنك التنمية المحلية .
و لقد إعترف وزير المالية الحالي " مراد مدلسي " بوجود نقائص في تسيير البنوك مشيرا أن البنوك ليست لها تجربة للعمل في الإطار التنافسي كما أن النظام الذي كان معمولا به لم يكن فعالا مشيرا بأنه هناك تعليمة أعطيت بصورة صارمة لمنع أي تدخل مستقبلي في تسيير البنوك لاسيما في مجال القروض .[20]1
إن البنوك الجزائرية ضحية الوصايا السياسية بحيث تكشف القوانين التي تم اعتمادها منذ الاستقلال عن ارتباط البنوك العمومية بل تبعيتها للسلطة السياسية خاصة بعد اعتماد قانون 90/10 من خلال السلطة المخولة للبنك المركزي و الوزارة المالية في تحديد السياسات الخاصة بتسيير البنوك العامة بحيث كانت السلطة السياسية وراء ظاهرة القروض غير مضمونة الدفع التي قدرت بأكثر من 1400 مليار دينار جزائري خلال 2005 كما كانت ذات السلطة وراء عمليات التطهير و إعادة رسملة البنوك العمومية الست التي بلغت حوالي 2400 مليار دينار أي حوالي 26 مليار دولار خلال 1990-2005، كل هذه المبالغ التي تم ضخها من الخزينة العمومية لم تؤدي إلى تحسين أداء البنوك أو حل مشكل المكشوف البنكي و الديون غير المضمونة الدفع لدى البنوك فحسب إعتراف رئيس الحكومة " أويحيا " بلغ المكشوف البنكي عام 2004 مالا يقل عن 80 مليار دينار فيما تقدر الديون غير المضمونة الدفع قرابة 190 مليار دينار، كما أن السلطات العمومية و من خلال التعليمات الصادرة عن رئيس الحكومة القاضية بمنع إيداع أموال مختلف صناديق الضمان الاجتماعي و التأمين في البنوك العمومية .
و كما أن إقرار تعليمة لإيداع أموال مؤسسات الدولة حصرا في البنوك العمومية أفضى الغموض على خياراتها الاقتصادية، فالبنوك العمومية سارت دوما وفق التوجهات السياسية و قد رسخت السلطات العمومية هذا التوجه من خلال الفصل بين المديرية العامة للبنوك و رئاسة مجلس الإدارة فضلا عن المادة 104 من قانون النقد و القرض التي تمنع البنوك من تمويل أي فروع تابعة لها أو لأي مجموعة .
كما أن السلطات العمومية كانت وراء إخفاق مشروع الدفع الشامل و الدفع الإلكتروني المصرفي تحت تسمية " ريس " مع الشريك البرتغالي و ضيعت الجزائر أكثر من 15 سنة لتعود إلى نقطة الصفر، و تحاول الجزائر الآن تطبيق هذا النظام إبتداءا من جانفي 2006 و الذي يهدف إلى تقليص مدة العمليات المصرفية من تحويل و سحب و خصم إلى 5 أيام بدلا من 21 يوما كما كان سائدا .[21]2
كما أن الجزائر لا تتقيد بقواعد الحذر أو التقيد في مجال الاقراض بنسبة كوك الذي وضع في جويلية 1988 لتحديد العلاقة بين الأصول أو رأس المال البنك و نسبة الالتزامات المالية و التي تعرف بتسمية " بال1 " بحيث لا يستطيع البنك أن يقرض أكثر من 8 % من رأس مال البنك منها 0.6% خاصة بخاطر القروض و 0.4% خاصة بمخاطر السوق و 1% للمخاطر المتعلقة بتسيير القرض و رغم ذلك فالمتوسط المعتمد في الجزائر من قبل البنوك أكبر من 8 % إذ يصل إلى 12 و 17 % من رأس مال البنك ، فالبنك العمومي يظل رهين القرار السياسي بدرجة أولى و تطغى الوظيفة الإدارية لدى مسيري البنوك على الوظيفة الاقتصادية و التجارية.[22]1
المطلب الثالث : التحديات التي تواجه الجهاز المصرفي
بالرغم من قيام السلطات المصرفية بعدة إصلاحات للجهاز المصرفي و المالي في فترة التسعينات ، إلا أن توفير هذه القواعد لوحدها تضل غير كافية و ذلك للأسباب التالية :
- غياب التنافسية في السوق المصرفي الجزائري و بالتالي عجزه عن منافسة المؤسسات العالمية .
- ضعف الموارد البشرية مؤهلة والمدربة .
- صغر حجم المصارف الجزائرية من حيث أصولها و رؤوس أموالها .
- نقص نظام المعلومات و التسويق و المواصلات .
- تملك القطاع العام للمصارف .
- القروض المتعثرة و ضعف الوساطة المالية .[23]2
خاتمة المبحث :
قامت الجزائر بعدة إصلاحات و في جميع الميادين الاقتصادية و وقعت على اتفاق الشراكة الأوروبية في نهاية 2001 و تتأهب للانظمام إلى منظمة التجارة العالمية، و تهدف كل هذه الإصلاحات لتأهيل المؤسسات الوطنية و الاقتصاد بصفة عامة للدخول إلى المنافسة الوطنية و الأجنبية و اختراق الأسواق الخارجية .
[1]1 - أ.د رفعت عبد الحليم الفاعوري، تجارب عربية في الخصخصة، ( منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية ، 2004 ) ، ص 6 .
[3]3 - أ.د رفعت عبد الحليم الفاعوري ، مرجع سابق ، ص ص (6 – 7) .
[4] - عبد المطلب عبد الحميد ، العولمة و اقتصاديات البنوك ، ( الدار الجامعية ، الإسكندرية ، 2003 ) ، ص ص204 – 205 .
[6]1 - د أحمد ماهر ، مرجع سابق ، ص ص 27 – 30 .
[7]2 - عبد المطلب عبد الحميد ، مرجع سابق ، ص ص 120 – 122 .
[8]1 - نفس المرجع ، ص ص 122 – 123 .
[9]1 - د رفعت عبد الحليم الفاعوري ، مرجع سابق ، ص ص 19 27 .
[10]1 - عبد المطلب ، عبد الحميد ، مرجع سابق ، ص ص 115 – 117 .
[11]2 - نفس المرجع ، ص ص 112 – 113 .
[12]1 - نفس المرجع ، ص ص 114 – 119 .
[13]1 - نفس المرجع ، ص 119 .
[15]1 - نفس المرجع .
[16]1 - د كربالي بغداد ، مجلة العلوم الإنسانية ، نظرة عامة على التحولات الاقتصادية في الجزائر، العدد 8 ، سبتمبر 2005 ، ص ص
( 53- 60 ).
[17]1 - نفس المرجع، ص ص ( 60 – 69 ) .
[19]2 - الخبر ، العدد 4843 ، 7 ديسمبر 2004 .
[21]1 - الخبر ، العدد 4540 ، الإثنين 31 أكتوبر 2005 .
[22]2 - الخبر ، العدد 4754 ، الأحد 10 أفريل 2005 .
[23]1 - نفس المرجع .
[24]2 - رايس مبروك ، العولمة المالية و إنعكاساتها على الجهاز المصرفي الجزائري ، دراسة حالة الجزائر ، مذكرة ماجستير في العلوم الاقتصادية ، جامعة محمد خيضر بسكرة ، 2005 ، ص 149 .