الاتجاهات الحديثة في
مجال إصلاح الإدارة الحكومية
على
الرغم من الجدل المثير الذي أثاره الحزب الليبرالي الجديد في فترة الثمانينيات
والتسعينيات الذي سعي إلى تقليص دور الدولة، أثبتت الدراسات الميدانية الحديثة أن
المواطنين يرغبون في وجود مؤسسات تابعة للدولة تتسم بالديمقراطية والكفاءة في
استخدام الموارد العامة، كما تتسم بالفاعلية في توفير السلع العامة، لكنها
تتسم أيضا بالقوة والقدرة على التصدي للقوى العالمية الكبرى. ويرغب الشعب
في أن تتصرف الدولة وإدارتها العامة كعامل محفز اجتماعي
واقتصادي قادر على كفالة توزيع الفرص بشكل عادل، وتحقيق إدارة مستدامة للموارد، والاستفادة من الفرص بشكل عادل (من الناحية السياسية، والاقتصادية،
والاجتماعية، والثقافية). ويرى البعض أن التاريخ قد أثبت أن وجود إدارة عامة
مستقرة هو أمر أكثر أهمية للتنمية الاقتصادية من وجود برلمانات حرة أو إجراء
انتخابات حرة. وفي الدول الأقل تطورا، وبخاصة الدول المتضررة من فترة ما بعد الحروب، تطلب القطاعات الخاصة التي تسعى
لتحقيق التنمية من الإدارة الحكومية أن تلعب دورا رئيسيا في تقديم الخدمات وتوفير
البنية التحتية الاقتصادية المطلوبة. ولكن، الأهم من ذلك، يعد وجود خدمة مدنية مستقرة وغير مؤيدة لأي حزب من الأحزاب السياسية أمرا هاما
للديمقراطية لأنها تجعل من الممكن وجود حكم سياسي يتمتع بالسلام والنظام ومن ثم
وجود تعددية حزبية حقيقية.
وفي السنوات الأخيرة،
يرى الكثيرون أن إدارة القطاع العام ليست فقط عبارة عن تحديث للمؤسسات التابعة
للدولة وتقليل تكاليف الخدمة المدنية، ولكنها أيضا عبارة عن آلية لدعم الشراكات
الفعّالة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص من أجل تحسين جودة تقديم الخدمة ودعم
المسئوليات الاجتماعية وضمان مشاركة أعداد كبيرة من المواطنين في عملية صنع القرار
والاسهام بآرائهم بشأن أداء الخدمة
العامة.
2-3-1
إصلاح الإدارة الحكومية والأهداف الإنمائية للألفية
يعترف
إعلان الألفية بالإدارة الرشيدة للحكم،
التي تُعد الإدارة الحكومية أحد عناصرها الرئيسية، بوصفها
وسيلة لتحقيق أهداف إعلان الألفية. ويرتبط الدعم المقدم لتحديث المؤسسات التابعة
للدولة بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بعدة طرق:
أولاَ: تحرير
الكثير من الموارد في الدول الفقيرة من أجل استخدامها طبقا للأهداف الإنمائية
للألفية وذلك في حالة زيادة كفاءة الإدارة الحكومية.
ثانياَ: عن طريق
زيادة الشفافية واستئصال الفساد، يقل توجيه الموارد
النادرة للدول الفقيرة بعيدا عن تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية.
ثالثاَ: وجود
إدارة حكومية تفي باحتياجات المواطنين، لا سيما النساء
والفئات المهمشة، يعد أمرا أساسيا لضمان
استمرارية هذه الإنجازات داخل نطاق الأهداف الإنمائية للألفية.
وأخيراَ: زيادة
خضوع المؤسسات التابعة للدولة للمساءلة يعد ملمحا
أساسيا للاستراتيجيات الحكومات من أجل سد الفجوة الديمقراطية؛ ومن ثم
تعد أمرا جوهريا لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية داخل الإطار العام لإعلان
الألفية.
2-3-2
المنهج القائم على الحقوق لتحقيق التنمية
مع ظهور
مفهوم إدارة الحكم في الآونة الأخيرة واقتران ممارسة الحريات الديمقراطية بالتنمية البشرية المستدامة، احتل
دور المؤسسات التابعة للدولة في تقديم الخدمات وحماية الحقوق والحريات مكانا
بارزا بشكل أكبر في فكر التنمية. وربما يفسر ذلك أيضا،
زيادة التركيز
خلال العقد الماضي على مكافحة الفساد
والشفافية.
ولم يكن تركيز
البرنامج الإنمائي على الإدارة الحكومية مستلهما
فحسب من الالتزام بالمنهج
القائم على الحقوق لتحقيق التنمية، وإنما كان أيضا نابعا من ذلك الالتزام. أولاَ: يعد الحق
في التنمية من المفاهيم
الأساسية لإعلان الألفية،
وتعتبر الإدارة الرشيدة للحكم الضمان الأساسي لتحقيق هذا الحق.
ثانياَ: لا يمكن
تحقيق العناصر الأساسية للمنهج القائم
على حقوق الإنسان إلا بمساعدة إدارة حكومية
فعّالة ضمن هيئات أخرى. وفيما يلي هذه العناصر
الأساسية:
· المشاركة
والشفافية في عملية صنع القرار: تعد المشاركة
في كل مراحل عملية التنمية حق، وتعتبر الدولة والأطراف الفاعلة الأخرى ملزمة بخلق بيئة مواتية لتحقيق مشاركة كل
المنتفعين.
·
عدم التمييز: يعد
الإنصاف والمساواة في كافة الحقوق من المكونات الرئيسية لتحقيق التنمية والحد من الفقر.
·
التمكين: ينبغي تمكين
الناس من ممارسة حقوقهم الإنسانية من خلال استخدام أدوات مثل
الإجراءات
القانونية
والسياسية.
· مساءلة
الأطراف الفاعلة: ينبغي خضوع المؤسسات
العامة والخاصة والأطراف الفاعلة
للمساءلة أمام الناس، لا سيما الفقراء منهم، وذلك من أجل تعزيز
حقوق الإنسان وحمايتها والوفاء بها، ويجب تحميل تلك
الجهات
المسئولية إذا لم يتم إنفاذ هذه الحقوق.
وأخيرا،
بما أن المنهج القائم على الحريات لا يسعى فقط لتنمية قدرات أصحاب الحقوق للمطالبة
بها وممارستها، وإنما يسعى أيضا
لتنمية قدرات المكلفين بالواجبات لكي يفوا
بالتزامات حقوق الإنسان، فإن ذلك يزيد من الضغط على الإدارة الحكومية بأن تضع
الفقراء والفئات المهمشة في بؤرة اهتمام الاستراتيجيات الخاصة بالسياسة والتنمية.
2-3-3
العولمة
ركزت
الضغوط الناتجة عن العولمة الاهتمام بشكل أكبر على القطاع العام. وعلى
الرغم من أن العولمة من الممكن أن تساعد على توحيد الناس، إلا أنها أظهرت
القدرة على تهميش الكثيرين منهم. وللتغلب على ذلك، فإن الأمر يتطلب وجود مناهج
للإدارة الرشيدة للحكم تشمل الشفافية والمساءلة ومشاركة المنتفعين في المناقشات السياسية، بالإضافة إلى وجود حكومة تستغل كل مواردها
بكفاءة لتساعد مواطنيها في مجال التنافس في
السوق العالمية، وتقليل الفجوة بين أغني سكان
العالم وأفقرهم. فالعولمة لا تؤدي فحسب إلى زيادة الحاجة إلى وجود جهات دولية وإقليمية قوية
لإجراء الحوار، وعملية صنع القرار العالمية، وإنفاذ الاتفاقيات والقواعد الدولية، وإنما
من شأنها أيضا أن تعزز
الضغوط من أجل وجود حكومات قومية قوية مؤهلة لتحقيق الاندماج والتفاوض في
بيئة عالمية، وقادرة على مواجهة القوى العالمية التي أهملت بعض مطالب الدول
النامية، وبالأخص الدول الأقل تقدما، والتحديات التي تواجهها.
2-3-4
اللامركزية
في
كثير من الدول، يوفر أسلوب اللامركزية السياق
الذي يتم فيه بحث الإجراءات
التصحيحية
لإصلاح الإدارة الحكومية. ومن السلبيات الرئيسية
للعديد من المبادرات الخاصة بتطبيق أسلوب اللامركزية، ضعف القدرة الإدارية للإدارة
الحكومية على المستويات المحلية، وعدم إتاحة قنوات لمساءلة هذه الإدارة يستطيع الشعب اللجوء إليها. ولكي
تنجح الحكومة اللامركزية لابد من جود مركز يتيح لها ذلك، ومن ثم يجب تركيز
الاهتمام، على سبيل المثال، على: آليات
تحويل الأموال؛ آليات تهدف لضمان وضع الموازنات والخطط على المستوى المحلي مستلهمة من الموازنات والخطط الموضوعة على المستوى القومي وتكون جزءا
من هذه الموازنات والخطط؛ نظم للمتابعة والرقابة مرتبطة بالميزانية؛
نظم ملائمة للموارد البشرية.