المبحث الثاني
: وصف فصول كتاب الأموال المشتركة:
1. الفصل الأول [
تعريف بالأموال المشتركة]
قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية " هذه
قاعدة شريفة في الأموال المشتركة: الأموال السلطانية، والأموال العقدية من وقف
ونذر ووصية ونحو ذلك، الأصل في ذلك مبني على شيئين، أحدهما أن يعلم المسلم بما دل
عليه كتاب الله وسنة رسوله (ص) وإجماع المؤمنين نصاً واستنباطاً. ويعلم الواقع من
ذلك في الولاة والرعية ليعلم الحق من الباطل، ويعلم مراتب الحق ومراتب الباطل
ليستعمل الحق بحسب الإمكان، ويدفع الباطل بحسب الإمكان ويرجع عند التعارض أحد
الحقين ويدفع أبطل الباطلين." ([1])
2. الفصل الثاني [الأموال المشتركة]
"فنقول وبالله التوفيق إن الأموال المشتركة السلطانية
الشرعية ثلاثة: الفيء والمغانم
والصدقة ولذا صنف العلماء كتب
الأموال ككتاب الأموال لأبي عبيد ولحميد بن زنجويه والأموال للخلال من جوابات
أحمد، وغير ذلك فهذه الأموال التي تكلموا فيها، وكذلك من العلماء من يجمع فيها في
الكتب المصنفة في ريع الأموال. كما في المختصر للمزني ومختصر الخرفي وغيرهما كتاب
قسم الغنائم والفيء والصدقة يذكرونه قبل قسم الوصايا والفرائض بعد قسم الوقوف،
ومنهم من يذكر قسم الصدقة في كتاب الزكاة وقسم الغنائم في كتاب الجهاد. وكذلك الفيء
كما هي طريقة كثير من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم ومنهم من يذكر الخراج والفيء
في كتاب الإمارة. كما فعل أبو داود في السنن في كتاب الخراج والإمارة." ([2])
3. الفصل الثالث [مصارف الأموال]
تحدث ابن تيمية في هذا الفصل عن مصارف الأموال المشتركة ودعم
كل مصرف بشواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية وبعض أقوال السلف.
"وهذه الأموال الثلاثة مستخرجها ومصرفها بكتاب الله
وسنة رسوله وأكثرها مجمع عليه، وفيها مواضع متنازع عليها بين العلماء، فإن الله
تعالى فرض الزكاة في الأموال وذكر أهلها في كتابه بقوله: (إنما الصدقات للفقراء
والمساكين) والنبي (ص) قد بين في ذلك ما أجمله القرآن بما سنه من نصب الزكاة
وفرائضها وفسر من مواضعها وعمل به خلفاؤه الراشدون من بعده فكانوا يدفعون الزكاة
إلى من ذكرهم الله تعالى في كتابه، وكذلك المغانم قد أحلها الله بكتابه وسنة رسوله
(ص) وخلفائه الراشدين، وهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال وما أخذ من المرتدين والخارجين عن شريعة الإسلام،
فتفصيله ليس هذا موضعه ويسمى أيضاً فيئاً وأنفالاً، وكذلك الفيء الخاصة وهو ما أخذ
من الكفار بغير قتال ذكره الله تعالى في سورة الحشر وجرى قسمه في سنة رسول الله
(ص) وسنة خلفائه الراشدين على الوجه الذي جرى عليه، ويلتحق به الأموال المشتركة
التي تؤخذ من الكفار كالمواريث التي لا وارث لها والأموال الضائعة التي لا يعلم
لها مستحق معين"([3]).
4. الفصل الرابع [سياسة الخلفاء في تقسيم
الأموال]
"ولولاة الأمور من الملوك ودولهم في ذلك عادات
واصطلاحات بعضها مشروع وبعضها مجتهد فيه، وبعضها محرم، كما للقضاة والعلماء
والمشايخ (من هو) من أهل العلم والعدل كأهل السنة فيتبعون النص تارة والاجتهاد
أخرى، ومنهم أهل جهل وجور وظلم كأهل البدع المشهورة من ذوي المقالات والعبادات
وذوي الجهل والجور من الملوك والقضاة والولاة.
وكانت سيرة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في غاية
الاستقامة والسداد بحيث لم يكن الخوارج أن يطعنوا فيهما فضلوا عن أهل السنة، وأما
عثمان وعلي فهما من الخلفاء الراشدين وسيرتهما سيرة العلم والعدل والهدى والرشاد
والصدق والبر، لكن فيها نوع مجتهد فيه والمجتهد في ما اجتهد فيه إن أصاب فله أجران
وإن أخطأ فله أجر وخطأه مغفور له.
وأما من بعد الخلفاء الراشدين فلهم في تفاصيل قبض الأموال
وصرفها طرق متنوعة منها ما هو حق منصوص عليه موافق للكتاب والسنة، ومنها ما هو
اجتهاد يسوغ بين العلماء إذا كان الإمام من أهل الاجتهاد وله علم، وقد يسقط الوجوب
بأعذار ويباح المحظور بأسباب وليس هذا موضع تفصيل ذلك. ومنها ما هو اجتهاد لكن
صدوره لعدوان من المجتمع أو تقصير منه شاب الرأي فيه الهوى فاجتمعت فيه حسنة
وسيئة، وهذا النوع كثير في الملوك وغيرهم جداً ومنه ما هو معصية محضة لا شبهة
فيه." ([4])
5.الفصل الخامس [نظام
جباية الأموال]
"ولم أعلم أن في الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية
وظفوا على الناس وظائف (هي الضرائب المفروضة على الممولين) تؤخذ منهم غير الوظائف
التي هي مشروعة في الأصل وإن كان التغيير قد وقع في أنواعها وصفاتها ومصارفها، نعم
كان السواد (السواد من أرض العراق ويبدأ من حديثه الموصل إلى عبادان وعرضه من عذيب
القادسية إلى حلوان، ووضعت للسواد تقسيماً لأغراض إدارية ومالية) خارجه على الخراج
العمري فلما كان في دولة المنصور فيما أظن نقله إلى المقاسمة. وجعل المقاسمة بقدر
المخارجة كما فعل النبي (ص) بخيبر، وهذا من الاجتهادات السابقة." ([5])
6. الفصل السادس [الرقابة المالية]
وضع ابن تيمية قاعدة اقتصادية لرصد احتياط مالي للحاجة، وقد
أوضح الطرق المؤدية إلى جمع تلك الأموال الاحتياطية عن طريق الضرائب.
" استئثار ولاة الأمور بالأموال دون الرعايا والمحاباة
فيها فهذا قديم، بل قد قال النبي (ص) للأنصار: "إنكم ستلقون بعدي أثرة
فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" والاستئثار مذموم لا يجوز، وقد أخبر النبي (ص)
بمال الأمراء بعده في غير حديث، وكان الخلفاء هم المطاعون في أمر الحرب وأمر
الخراج والأموال ولهم عمال ونواب على الحرب وعمال ونواب على الأموال ويسمون هذه
الحرب وهذه ولاية الخراج ووزراؤهم الكبار ينوبون عنهم في الأمرين إلى ما بعد
المائة الثالثة من سني الدولة العباسية وبعد ذلك ضعف أمر الخلافة وأمر وزرائها
بأسباب جرت وضيعت بعض الأموال وعصى عليهم قوم من النواب بتفريط جرى في الرجال
والأموال." ([6])
7. الفصل السابع [التعزيز بالعقوبات
المالية]
"والتعزيز (تأديب على أفعال نهت عنها الشريعة ولم تشرع
لها عقاباً محدداً) بالعقوبات المالية مشروع في مواضع مخصوصة في مذهب مالك في
المشهور عنه ومذهب أحمد في مواضع بلا نزاع عنه، ومواضع فيها نزاع عنه. والشافعي في
قول وإن تنازعوا في تفصيل ذلك كما دلت عليه سنة رسول الله (ص) في مثل إباحته سلب
الذي يصطاد في الحرم حرم المدينة لمن وجده ومثل أمره بكسر دنان الخمر وشق ظروفه،
ومثل أمره عبد الله بن عمر أن يحرق الثوبين المعصفرين، فقال: يا رسول الله
أغسلهما، قال: لا بل أحرقهما. وأمره يوم خيبر بكسر الأوعية التي فيها لحوم الحمر
الأهلية، لما استأذنوه في الإراقة أذن وأنه لما رأى القدور تفور بلحوم الحمر أمر
بكسرها وإراقة ما فيها فقالوا أفلا نريقها ونغسلها فقال افعلوا، فدل ذلك على جواز
الأمرين لأن العقوبة بذلك لم تكن واجبة. ومثل هدمه مسجد الضرار، ومثل تحريق موسى
عليه السلام للعجل، ومثل تضعيفه (ص) الغرم على من سرق غير حرز ومثل إحراق متاع
الغال ومن حرمان القاتل سلبه لمن اعتدى على الأمير، ومثل أمره عمر وعلي بن أبي
طالب بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر، ومثل أخذ شطر مال مانع الزكاة، ومثل
تحريق عثمان بن عفان المصاحف المخالفة للإمام، وتحريق عمر بن الخطاب لكتب الأوائل
وأمره بتحريق قصر سعد بن أبي وقاص الذي بناه لما أراد أن يحتجب عن الناس فأرسل
محمد بن مسلمة وأمره أن يحرقه عليه فذهب فحرقه. وهذه القضايا كلها صحيحة معروفة
عند أهل العلم بذلك ونظائر هذا متعددة. والعقوبات المالية كالعقوبات البدنية تنقسم
إلى ما يوافق الشرع وإلى ما يخالفه." ([7])
8. الفصل الثامن[ كسر
سكة المسلمين ]
تحدث ابن تيمية في هذا الفصل الدولة الإسلامية، وقد نهى عن
العبث بها.
"وأما كسر سكة المسلمين (النقود) وتغييرها فمثل ما روى
أبو داود عن عبد الله بن عمر عن النبي (ص) أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجارية
بينهم إلا من بأس وإذا كانت الدراهم أو الدنانير الجارية فيها بأس كسرت ومثل تغيير
الصور المصورة المجسمة وغير المجسمة إذا لم تكن موطوءة كما في حديث أبي هريرة أن
جبريل امتنع من دخول بيت النبي (ص) لما كان فيه تمثال رجل وكان في البيت قرأم ستر
فيه تماثيل وكلب فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر يقطع فيجعل
في وسادتين منتبذتين توطآن ومر بالكلب يخرج ففعل رسول الله (ص) وإذا الكلب جرو كان
للحسن والحسين تحت نضيد لهما"، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصحيحه."
([8])
9. الفصل التاسع[ الثواب والعقاب]
" الثواب والعقاب يكونان من جنس العمل في قدر الله
تعالى وفي شرعه فإن هذا من العدل الذي به تقوم السماء والأرض كما قال تعالى: (إن
تبدو خيراً أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً). وقال: (وليعفوا
وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)، وقال النبي (ص): (الراحمون يرحمهم الرحمن)،
وقال:( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وقال: (من لا يرحم لا يُرحم)،
وقال: (إن الله وتر يحب الوتر)، وقال: (إن الله جميل يحب الجمال)، وقال: (إن الله
طيب لا يقبل إلا طيباً)، وقال: (إن الله نظيف يحب النظافة). وهذا شرع قطع يد
السارق وقطع يد المحارب ورجله وشرع القصاص في الدماء والأموال والأبشار، فالمشروع
أن تكون العقوبة من جنس المعصية مثل ما فعل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه بشاهد
الزور أركبه مقلوباً على دابة وسود وجهه، فإنه لما قلب الحديث قلب عمر وجهه ولما
سود وجه الحق بالكذب سود وجهه، وهذا وقد ذكره في تعزير شاهد الزور طائفة من
العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، ولهذا قال تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في
الآخرة أعمى وأضل سبيلاً).
وقال
تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) . وفي
الحديث: (يحشر الجبارون والمتكبرون على صور الذر يطؤهم الناس بأرجلهم فإنهم لما
وطئوا عباد الله بالذل أذلهم الله لعباده يوم القيامة). كما أنه من تواضع الله
رفعه الله فجعل العباد متواضعين وكما أنه (من يسر على معسر يسر الله عليه في
الدنيا والآخرة). (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) (ومن فرج عن مؤمن
كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة). (والله تعالى في عون
العبد ما كان العبد في عون أخيه)، (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به
طريقاً إلى الجنة). إلى آخر الحديث كله في مثل ذلك وأن الجزاء من جنس العمل، ومثل
هذا كثير في الكتاب والسنة والله سبحانه وتعالى أعلم." ([9])
المبحث الثالث : أهمية الكتاب:
كتاب الأموال المشتركة من كتب تراث الاقتصاد الإسلامي الذي
يجب دراستها وإخراجها إلى المجتمعات للإفادة منها، لا سيما أن أغلبها يكتب في
فترات معاصرة لشيوع الفوضى الاقتصادية في العالم الإسلامية.
وتنبع أهمية كتاب الأموال المشتركة بضمه موضوعات جليلة قيمة
جديرة بالدراسة والاهتمام عالجها المؤلف معالجة علمية شيقة جاءت على النحو التالي:
أولاً:
تعريف بالأموال المشتركة، التي هي الأموال السلطانية : وقد حددها بثلاثة أنواع هي: 1- الغنيمة. 2- الصدقات. 3- الفيء.
ومصطلح
"الأموال المشتركة" في الاقتصاد الإسلامي يعد من أهم المصطلحات الجديدة
في علم الاقتصاد الإسلامي.
ثانياً:
أورد شيخ الإسلام بعض مؤلفات الاقتصاد الإسلامي وذكر منها:
1-
الأموال لأبي عبيد. 2- الأموال لابن
زنجويه. 3- الأموال للخلال.
ثالثاً:
تحدث ابن تيمية عن مصارف الأموال المشتركة ودعم كل مصرف :
فقد تحدث عن مصارف الأموال المشتركة ودعم
كل مصرف بشواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية، وبعض أقوال السلف الصالح مما هو
مجتهد فيه لعدم وجود النص.
رابعاً:
أورد شيخ الإسلام بعض الفتاوي فيما يتعلق بجباية السلطان للأموال:
وهنا يؤكد شيخ الإسلام على طاعة ولي الأمر أو
الحاكم في جباية تلك الأموال كما يجب طاعته في الحكم المتنازع عليه.
خامساً:
ذكر ابن تيمية بعض الأنظمة الإدارية المالية في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب،
رضي الله عنه
: فقد تحدث عن ديوان العطاء، وديوان الخراج، وديوان الجيش، وديوان النفقات.
سادساً:
تحدث ابن تيمية عن سياسة الخلفاء وولاة الأمور من الملوك ودولهم في تقسيم الأموال
وقسم تصرفاتهم في تقسيم الأموال إلى ثلاثة أنواع:
1-
نوع مشروع. 2- نوع مجتهد فيه. 3-نوع محرم.
سابعاً:
وضع ابن تيمية قاعدة اقتصادية لرصد احتياط مالي :
فقال: "... فالرأي أن تجمع الأموال وترصد للحاجة"
وقد أوضح الطرق المؤدية إلى جمع تلك الأموال الاحتياطية حيث قال: "وطريق ذلك
أن توظف وظائف راتبة لا يحصل بها ضرر وتحصل بها المصلحة المطلوبة من إقامة
الجهاد".
ثامناً:
ذكر ابن تيمية طرفاً من الضرائب غير الشرعية كالمكوس مثلاً وذكر منها:
1-
أثمان الخمور. 2- مهور البغايا. 3- أجور المغاني.
تاسعاً:
تعرض شيخ الإسلام لموضوع ذي صلة بالاقتصاد الإسلامي:
وهو التعزير بالعقوبات المالية، وقد عقد لذلك فصلاً خاصاً،
ويكاد ينفرد بهذا العلم الجليل لأن كتب (مصادر) الاقتصاد الإسلامي لم تشر إلى مثل
ذلك الموضوع.
عاشراً:
عقد شيخ الإسلام فصلاً خاصاً بالعملة الإسلامية تحت عنوان: "كسر سكة
المسلمين"
وقد نهى شيخ الإسلام عن العبث بعملة المسلمين المتداولة
بينهم مقتدياً بهدي الرسول الكريم (ص) في ذلك حينما نهى عن كسر سكة المسلمين
وتغييرها. وهذا المبحث الذي أورده المؤلف في كتابه هذا يعتبر من الأعمال الجليلة
التي عالجها المؤلف والتي لها صلة كبيرة بالأموال المشتركة بصفة خاصة وبالاقتصاد
الإسلامي بصفة عامة، وقل من يورد مثل هذا الفصل في دراساته وخاصة من علماء الدولة
الإسلامية السابقين.
الحادي
عشر: وفي نهاية
هذا المخطوط المتواضع، ختم شيخ الإسلام كلامه بمعلومات قيمة على أن الثواب والعقاب
يكونان من جنس العمل في قدر الله وفي شرعه فإن هذا من العدل الذي تقوم به السماء
والأرض.