حياته:
هو الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد
المفسر البارع شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد الحليم
بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية
الحراني الدمشقي الحنبلي. أحد الأعلام، ولد في حران في ربيع الأول سنة (661هـ )،
وقدم به والده وبأخوته إلى دمشق عند استيلاء التتر على البلاد سنة (667هـ). وقيل
في سبب تسميته بابن تيمية، بأن جده محمد بن الخضر حج وله امرأة حامل ومر على درب
تيماء، فرأى هناك جارية طفلة، قد خرجت من خباء فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد
ولدت بنتاً، فلمنا رآها قال: يا تيمية، فلقب بذلك. وقيل إن محمداً هذا كانت أمه
تسمى تيمية وكانت واعظة فنسب إليها وعرف بها.([1])
حياته العلمية:
بدأ حياته العلمية والعملية بشكل مباشر بعد وفاة والده،
فدرّس بعد والده وله من العمر إحدى وعشرون سنة، فدرس بدار الحديث السكرية، ثم شرع
في تفسير القرآن العظيم. وكان يدرس كذلك في المدرسة الحنبلية بدمشق. ([2])
كان عالماً، له في حياته العلمية منهج يعتمد على أساسين:
الأول:
العمل على العودة بالإسلام (من جميع جوانبه) إلى عصوره الزاهرة الأولى امتثالاً
لقول الرسول الكريم (ص) "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهم..." الحديث.
والثاني:
الجرأة في إحقاق الحق وعدم الخوف في ذلك، فكان لا تأخذه في الحق لومة لائم.
عني شيخ الإسلام بالحديث فسمع من ابن عبد الدايم، وابن أبي
اليسر والكمال بن عبد وابن الصيرفي، وابن أبي الخير، ونسخ جملة، وتعلم الخط
والحساب في المكتب وحفظ القرآن، ثم أقبل على الفقه، وقرأ أياماً في اللغة العربية
على ابن عبد القوي، ثم أتقنها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه، وبرع في النحو،
وأقبل على التفسير إقبالاً كلياً حتى سبق فيه، و أحكم أصول الفقه، كل هذه الدراسات
تعلمها وأتقنها وهو ابن بضع عشرة سنة. تمذهب بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، فلم يكن
أحد في مذهبه أنبه ولا أنبل منه.
شيوخه:
شيوخه الذين جمع منهم يزيدون عن مائتي شيخ. وسمع مسند الإمام
أحمد مرات ومعجم الطبراني الكبير، والكتب الكبار. ولم تكن نفسه تشبع من العلم، ولا
تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال، ولا تكل من البحث، وقلّ أن يدخل في علم من
العلوم في باب من أبوابه إلا ويفتح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء في ذلك
العلم على حذاق أهله. ثم إنه درس كذلك علوم المنطق والحكمة والفلسفة، وآراء
الأوائل ومماراة العقول. ([3])
لقد تلقى ابن تيمية العلم على
يد والده الشيخ عبد الحليم وكان لوالده كرسي بجامع دمشق يتكلم عليه، وولي مشيخة
دار الحديث، كما تلقى على يد علي زين الدين احمد بن عبد الدايم المقدس، ونجم الدين
بن عسكر، والشيخ جمال الدين بن الصيرفي، كما سمع الحديث من الشيخ جمال الدين
البغدادي والنجيب بن المقداد،وابن أبى الخير، وزينب بنت مكي ، والفقيه نور الدين
علي بن عبد البصير المالكي، كما تلقى العلم على يد القاضي جمال الدين القزويني.(2)
مؤلفاته: لشيخ الإسلام من المؤلفات والقواعد
والفتاوى والأجوبة والرسائل والتعاليق مالا ينحصر ولا ينضبط،أما تصنيفاته ففي الدرر
أنها ربما تزيد عن أربعة آلاف كراسة وفي فوات الوفيات أنها تبلغ ثلاث مائة مجلد،
ومن أشهر مؤلفاته:(3)
- الجواب الصحيح لمن بدل
دين المسيح.
|
- منهاج السنة.
|
- السياسية الإلهية والآيات النبوية.
|
- الفتاوى.
|
- الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشياطين.
|
- الإيمان.
|
- مجموعة رسائل بلغت تسعاً وعشرين رسالة.
|
|
- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية.
|
- الجمع بين النقل والعقل.
|
- الحسبة ومسؤولية الحكومة الإسلامية.
|
- نقض المنطق.
|
- رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
|
- القاعدة المراكشية.
|
- شرح العقدية الأصفهانية.
|
- الأموال المشتركة.
|
- القواعد النورانية الفقهية
|
- المظالم المشتركة.
|
- مجموعة الرسائل والمسائل.
|
- نظرية العقد.
|
- التوسل والوسيلة.
|
- تلخيص كتاب الاستغاثة.
|
- الصارم المسلول على شاتم الرسول.
|
- الرد على الاخنائي.
|
-
بالإضافة إلى مجموع الفتاوى التي بلغ
تعدادها سبعة وثلاثين مجلداً.
تلاميذه :
1- ابن القيم، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن
أبى بكر بن أيوب، ولد سنة ( 691هـ) في دمشق وتوفي سنة (751 هـ)، وقد شارك كشيخه في
جميع العلوم الإسلامية ونبغ في أصول الدين والحديث والفقه والعربية وعلم الكلام،
ولكنه تفرد بالتفسير كما يؤكد ذلك ابن رجب الحنبلي في طبقاته.
2- ابن عبد الهادي، الحافظ شمس الدين أبو عبد
الله محمد بن احمد بن عبد الهادي المقدسي، ولد سنة (704هـ) وتوفي سنة(744 هـ) ،
قرأ القران بقراءات مختلفة، وقرأ الحديث وبرع في الرجال وعلل الحديث بصفة خاصة،
وتفقه بالمذاهب وله براعة كاملة في الأصلين وعلوم العربية.
3- ابن كثير، عماد الدين إسماعيل بن عمر يكنى
أبو الفداء، ولد سنة (701 هـ) وتوفي سنة
(774 هـ) ، قرأ الفقه وسمع الحديث واشتغل بالفتاوى والتدريس والمناظرة.
4- ومن تلاميذه أيضا قاضي القضاة شرف الدين أبو
العباس احمد بن الحسين المشهور بقاضي الجبل، زين الدين عمر الشهير بابن الوردي،
وزين الدين أبو حفص عمر الحراني ولي نيابة الحكم، وشمس الدين أبو عبد الله محمد بن
مفلح فقد قال عنه أبو البقاء السبكي (مارأت عيني أفقه منه). (1)
5- الأمام المقرئ علاء الدين بن المظفر بن
إبراهيم بن عمر بن زيد بن هبة الله الكندي الاسكندراني توفي سنة 716هـ.
6- شرف الدين أبو عبد الله أخو قاضي القضاة علاء
الدين الذي ولد سنة 675هـ وتوفي سنة 724.
7- الفقيه
الناسك شرف الدين الجراني المعروف بابن النجيح وكان معه في مواطن كبار صعبة لا
يستطيع الأقدام عليها إلا الأبطال الخلص
وسجن معه وكان من اكبر خدامه وخواص أصحابه توفي سنة 723هـ.
8- ومن النساء الشيخة العابدة الناسكة أم زينب
فاطمة بنت عباس بن أبى الفتح بن محمد البغدادية وكانت من العالمات الفضلات تأمر
بالمعروف وتنهى عن المنكر، وقد سمع الشيخ بن تيمية وهو يثني عليها ويصفها بالفضيلة
والعلم ، وكان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها.([4])
المحن التي تعرض لها :
لاقى من المتاعب الشيء الكثير ، وذلك من خلال دسائس
الحاقدين، ولاحقته هذه الدسائس حتى زج به في غياهب سجون القاهرة ودمشق([5])حتى مات بين
جدرانها شهيد الحق والجرأة فيه.
فقد طلب إلى مصر من اجل فتوى أفتى بها ] يرى ابن تيمية منع زيارة قبور
الصالحين بل منع زيارة الروضة الشريفة التي بها قبر رسول الله (ص) [ فقصدها
فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة ونقل إلى الإسكندرية ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة
(712هـ) واعتقل بها يوم الاثنين 16شعبان سنة (726هـ)، وأطلق ، ثم أعيد ومات معتقلا
بقلعة دمشق.([6])
وهذا مما أثاره عليه خصومه من الفقهاء والمتكلمين والمتصوفة
والمبتدعة وأصحاب المذاهب الهدامة وعليهم جميعاً أعلن حرباً شعواء لا هوادة فيها،
لا يعرف اللين أو المجاملة في إظهار الحقيقة وقمع بوادر الشر والفتنة.
مكانته العلمية:
أن جل علماء الدولة الإسلامية في ماضيهم وحاضرهم أثنوا عليه
ثناءً كبيراً، حتى أن البعض منهم عده في مكانة الفقهاء الأربعة، ومن علماء عصره أو
من قارب عصره نذكر: الذهبي، وابن شاكر، والصفدي، والمزي، والزملكاني، والعماد
الواسطي، والبرزالي، وابن عبد الهادي، وابن سيد الناس، وابن دقيق العيد..الخ.
"ويتحدث الأمام الذهبي عن مكانة ابن تيمية العلمية
فيقول في معجم شيوخه:شيخنا وشيخ الإسلام، وفريد عصره علماً ومعرفة، وشجاعة وذكاء
وتنويراً ألهياً، وكرماً ونصحاً للامة، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.
ويقول الشيخ عماد الدين،بعد أن يثني عليه بكلام طويل جميل:
فو الله ثم والله ثم والله، لم يُر تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية علماً
وعملاً،وحالاً وخلقاً واتباعاً، وكرماً وحلماً وقياماً في حق الله عند انتهاك
حرماته، اصدق الناس عقداً وأصحهم علماً وحزماً وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه
همة،و أسخاهم كفاً،وأكملهم اتباعا لنبيه محمد(ص)."(2)
وفاته:
توفي رحمه الله بدمشق في سجن القلعة في تاريخ 20/11/728هـ.
ويروي المؤرخون أن وفاته كانت من الأحداث
التي شغلت الناس في تلك السنة، ويروي المؤرخون جنازته بأنه كانت عظيمة لم
يتخلف عنها أحد سمع بموته كما حضرت النساء الجنازة وعلت الأصوات بالبكاء
والنحيب وانطلقت الألسنة بالثناء عليه
والدعاء له، وقد دفن ابن تيمية في مقبرة
الصوفية إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله.(1)
وقد ترك لنا علماً
ينتفع به فكان من الذين امتثلوا إلى حديث رسول الله (ص) حيث قال: "إذا مات
ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. صدقة جارية أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو
له". والعلم الذي ينتفع به فهو هذا الكم الهائل وهذا البحر من المؤلفات التي
زاد عددها عن ثلاثمائة مجلد. لقد ترك لنا معشر المسلمين ثروة غالية وثمينة يجدر
بنا المحافظة عليها وإحياءها بالدراسة والتحقيق.
(3) ) خير الدين
الزركلي، الأعلام:قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين
والمستشرقين،الجزء (1)،دار العلم
للملايين،بيروت،ط(5)، ايار1980،ص.144.