بسم الله الرحمن الرحيم (يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } العلم درجات: أولها الصمت، والثانية الاستماع، والثالثة الحفظ، والرابعة العمل، والخامسة النشر ***مروان طاهات*** يرحب بكم ويكيبيديا الموسوعة المروانية MANT

الخميس، 30 يونيو 2022

3- التوازن في الفكر الاقتصادي

 


3- التوازن في الفكر الاقتصادي

       لقد تطور مفهوم التوازن بشكل ملحوظ بين الفكر التقليدي والفكر الحديث ومن خلال مراحل التطور هذه كان يغير التوازن من طبيعته شيئا فشيئا وسنحاول إيضاح المعالم الأساسية لكل مرحلة على النحو التالي.

3-1-التوازن في الفكر التقليدي

       لدى الفكر التقليدي سادت الحرية الاقتصادية التي هي حسب اعتقادهم الكفيل الوحيد لحل جل المشاكل الاقتصادية وإعادة التوازن في حالة اختلاله.

وقد افترض الكلاسيك جملة من الفروض والمتمثلة في توافر شروط المنافسة التامة في سوق السلع والخدمات واستبعاد الاكتناز، واستحالة حدوث فائض بسبب قانون ساي

( العرض يخلق الطلب) مع عدم حدوث البطالة .

       إن المحافظة على التوازن لدى الكلاسيك(بين العرض والطلب) يتم بواسطة آلية السوق، لأن سعر السوق هو العامل الوحيد الذي يحقق التوازن في المدى القيصر عندما يتساوى العرض مع الطلب، وفي المدى الطويل عندما يكون سعر السوق مساويا لسعر التكلفة أين تكون القوى الاقتصادية في حالة سكون.

من هنا يتضح أن الفكر التقليدي وبصدد التوازن الاقتصادي ركز على التشغيل الكامل الذي يستند على دعمين أساسين أولهما أن كل عرض يخلق الطلب الخاص به، أي أن حجم الإنتاج مهما بلغ سيتوفر له الطلب الكافي، أما الثاني أن التوظيف الكامل يتحقق بطريقة تلقائية واستنادا إليها فإن أصحاب الأعمال يستمرون في استخدام عوامل الإنتاج إلى الحد الذي تتكافئ فيه النفقة الحدية مع الإنتاج الحدي[9].

       وأخيرا يبقى لنا أن نبحث على الكيفية التي تتحقق فيها توازن النظام الاقتصادي في ظل شروط الفكر التقليدي من حرية وتلقائية اللتان تعتبران الرابط الأساسي بين التوازن الداخلي والخارجي.

3-1-1-التوازن الداخلي

       ويقصد به هو ذلك المستوى من الدخل الوطني الذي تختفي عنه البطالة والتضخم. إن المساواة بين الادخار والاستثمار عند الكلاسيك يشكل شرطا أساسيا لصحة قانون ساي ومنه شرط التوازن الكلي، فقد توصل ساي إلى أن المنتجات لا تبادل إلا بالمنتجات، وأن النقود وسيط للمبادلة ولا يمكنها أن تكون مخزنا للقيمة، بمعنى أنها ليست وسيلة لنقل القيم، عبر فترات الزمن، وبذلك فإن عدم تصريف منتجات فرع معين لا يعني نقص النقود، وإنما يعني نقص إنتاج فرع آخر[10].

إن قانون ساي بمفهومه التقليدي يعبر عن التوازن الكلي الدائم وبالتالي يستبعد عدم تصور نقص الطلب الكلي عن العرض الكلي ومنه يتضح لنا أنه لا يوجد تسرب من الدخل عن طريق الادخار لأن هذا الأخير يحول مباشرة للاستثمار، أي أن الطبقة المدخرة هي نفسها الطبقة المستثمرة. وهي الطبقة الرأسمالية، في حين أن الطبقة العاملة تنفق كل دخلها على الاستهلاك الضروري نتيجة لحصولها على أجور تكاد تكون قريبة من مستوى الكفاف[11]. وبهدف تحقيق فكرة التوازن افترض الكلاسيك مرونة كل من الأسعار، الأجور، حركات سعر الفائدة.

3-1-2- التوازن الخارجي

والمقصود به ميزان المدفوعات الذي يصون نفسه بنفسه دون تدخل أي قوى خارجية

لقد حظيت فكرة التوازن الخارجي باهتمام كبير في فكر كل من آدم سميث من خلال التخصص وتقسيم العمل، وكذلك ديفيد ريكاردو من خلال نظرية الميزة المكتسبة والتي تقتضي بأنّ تختص كل دولة في إنتاج السلع التي تتميز في إنتاجها بأقل التكاليف مما يسمح بخفض أسعارها وهو ما يعطيها قدرة تنافسية[12]، وحسب الكلاسيك أنّ العودة إلى التوازن إنما تتم عن طريق تغيير وتعديل مستويات الأسعار المتعامل فيما بين الدول، وأنّ كمية النقود هي المؤثر الوحيد في تلك المستويات والتي تؤدي بدورها إلى تغيير حجم الصادرات والواردات، في الاتجاه الذي يعود بالتوازن من جديد إلى ميزان المدفوعات. ولهذا نادى الكلاسيك بحرية التجارة الخارجية تبعا لمناداتهم بالحرية الاقتصادية عموما، وبهدف نقل الآثار المترتبة عنها، إلى اقتصاديات الدول الأخرى استند الكلاسيك على نظرية كمية النقود، حيث وضع هؤلاء الاقتصاديون نظريتهم في التوازن الخارجي في ظل سيادة قاعدة الذهب والتي تستوجب من السلطات النقدية التدخل لإعادة التوازن،

مما أدى بهم إلى بعض الافتراضات المكملة للنظرية الكمية، والمتمثلة في الارتباط بين كمية النقود والذهب بالإضافة إلى حرية حركة الذهب استيرادا وتصديرا[13] مما سبق وفي ظل النظام الكلاسيكي نخلص إلى أنّ الأوضاع التوازنية لن تعرف الثبات إلاّ في مرحلة التشغيل الكامل. من خلال الفروض التي تبنتها النظرية نفسها أنّ هناك ارتباط وثيق بين شقي التوازن الداخلي والخارجي- حيث أنّ اختلال التوازن في إحداهما سيؤدي حتما إلى اختلاله في الأخر، غير أنّ هذه المدرسة في تحليلها اعتمدت على الوحدة الاقتصادية ثم قامت بالتعميم على المستوى الكلي، كما افترضت عالما يرتكز على الحرية الاقتصادية وتسود فيه المنافسة التامة، غير أنّ واقع النشاط الاقتصادي يشهد قيام التنظيمات العامة والخاصة وسيطرة الاحتكارات ولهذا فإنّ الحرية يجب أن لا تكون مطلقة لأنّها قد ينجم عنها آثارا اقتصادية واجتماعية تنعكس سلبا على الاقتصاد الوطني.

3-2- التوازن في الفكر الكنزي

       تهدف النظرية الكنزية إلى البحث عن العوامل الواقعة والتي تحدد حجم التوظيف الفعلي في المجتمعات ومن ثمّ كيفية التخلص من البطالة والوصول إلى أعلى درجة من التوظيف، ولذلك بدأ كينز نظريته برفض الافتراض الأساسي الذي تقوم عليه النظرية الكلاسيكية والذي يقول أنّ المجتمعات تسودها حالة من التوظيف الكامل[14]

إنّ منهج كينز على حدّ قوله كان محاولة للتخلص من القديم وأخطائه وخاصة بعد أن عجزت النظريات التقليدية أن توجد تفسير للكساد وبصفة خاصة الكساد العالمي الكبير[15]، حيث كانت تجتاح العالم أزمة اقتصادية كبرى بدأت عام 1930 واستمرت طوال الثلاثينات من القرن الماضي.

       لقد أوضح كينز أنّ انخفاض الأجور يؤدي إلى انخفاض الطلب الفعلي حيث أنّ هذه الأجور تمثل نسبة هامة من الدخل الوطني وفي حالة انخفاضها ينخفض معها الدخل.، كما أنّ انخفاض دخل العمال يؤدي إلى انخفاض طلبهم على السلع والخدمات وعندها يخفض المنتجين من إنتاجهم فتزيد البطالة كما تؤجل المشاريع كل هذا يؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة عكس ما كانت ترى المدرسة التقليدية من أنّ انخفاض الأجور يؤدي إلى ارتفاع الأرباح ومن هنا خلص كينز إلى أنّ مستوى الأجور ليس هو المحدد لمستوى التشغيل وإنّما يحدده الطلب الكلي.

       إنّ منهج التحليل الكنزي يتمثل في الطلب الفعلي أو الكلي لكونه يشكل أداة للتعرف على حقيقة الوضع التوازني للاقتصاد، والذي أثبتت نظريته في الاستخدام إمكانيته حدوثه دون بلوغ مرحلة التشغيل الكامل وهو ما يعرف بتوازن ما دون التشغيل الكامل، الامر الذي استبعدته النظرية التقليدية إمكان حدوثه على نطاق واسع[16].

       يتكون الطلب الفعلي عند كينز من الطلب الاستهلاكي والطلب الاستثماري- اقتصاد مغلق-، وأوضح أنّ الطلب الاستهلاكي يتحدد بعوامل موضوعية وأخرى شخصية، ولذا اعتبره دالة في الدخل مهملا بقية العوامل على الأقل في الزمن القصير وأنّ ميله الحدي يتناقص مع زيادة الدخل- قانون كينز السيكولوجي-[17]، في حين يتحدد الطلب الاستثماري تبعا للعائد المتوقع من قبل المنتجين، ومدى تغطيته لتكاليف الاستخدام، ولذا اعتبر أنّ قرار الاستثمار دالة في الكفاية الحدية لرأس المال وسعر الفائدة السائد في السوق[18].

وسنحاول التطرق إلى نظرية التوازن لدى كينز على المستوى الداخلي والخارجي وذلك على النحو التالي:

3-2-1-التوازن الداخلي

        تعتبر النظرية الكنزية أنّ المساواة بين الادخار والاستثمار

(S= I) شرط ضروري عند كل مستوى من مستويات الدخل، حيث ينظر للادخار على أنّه ذلك الجزء المتبقي من الدخل والذي لم ينفق على السلع الاستهلاكية، في حين يعتبر الاستثمار أنّه ذلك الجزء من الناتج الذي لم يستهلك كما هو موضح في المعادلة التالية[19]:

Y= E=C+ I=C+S                                                              S=I

Y: الدخل؛ S: الادخار؛ I: الاستثمار؛ C: الاستهلاك؛ E: الانفاق

إنّ جوهر المساواة بين الاستثمار والادخار عند كينز تنتقل من خلال تغيّرات الدخل الوطني، حتى يتحقق مستوى الإنتاج الكلي الذي يعطي الحجم المماثل من الادخار، كما أنّه انطلق من وضعية الاختلال، منفيا بذلك الطبيعة الدائمة للمساواة بين الاستثمار والادخار، وهنا يجب أن نحدد بدقة الطلب على أموال الاستثمار اللازم لتنفيذ حجم الإنتاج الكلي الذي يعطي المستوى المرغوب من الإدخار[20].

       إنّ شرط التوازن في النظرية الكنزية يتمثل في التساوي بين طلب الاستثمار في الفترة اللاحقة مع طلب الفترة الحالية، وهذا نتيجة لافتراض ثبات حجم الاستهلاك على الأقل في المدى القصير أو كما يعرف بتساوي الادخار المحقق في الفترة الحالية مع الاستثمار المتوقع في الفترة اللاحقة[21].

       مما سبق يتضح أنّ كينز رفض فكرة أنّ الادخار يتعادل مع الاستثمار تلقائيا على أساس التغيّر في سعر الفائدة عند التقليديين، كما يعتبر أن سعر الفائدة مقابل عدم الاكتناز وليس جزء  للادخار، ويرى كذلك أنّ العلاقة بين سعر الفائدة والاستثمار إنّما تتحدد في ضوء العلاقة بين سعر الفائدة والكفاية الحدية لرأس المال، وأنّ سعر الفائدة يتحدد بدوره عند نقطة التعادل بين عرض النقود والطلب عليها.

       ونخلص في الأخير من خلال دراسة التوازن الداخلي عند كينز أنّ هناك نوعين من المساواة كنتيجة لإدخال عنصر الزمن في التحليل:

الأول يتحقق بتوازن الادخار مع الاستثمار وبالمعنى المقصود عند الكلاسيك؛

أما الثاني يتحقق لما يتساوى الادخار المحقق في الفترة الحالية بالاستثمار المتوقع في الفترة اللاحقة، وهذا ما انشغلت به النظرية الكنزية.

3-2-2- التوازن الخارجي

        يجمع الاقتصاديون بشكل عام على أنّ تحقيق التوازن الاقتصادي الخارجي يعدّ من أهم الأهداف التي تسعى السياسات الاقتصادية إلى تحقيقها.

       لقد اعتمد الاقتصادي كينز في تحليله لموضوع التوازن الاقتصادي الخارجي على فكرة الطلب الفعلي لاعتبارها أساس تصميم جل السياسات الاقتصادية لإحداث تغيّرات في مستوى الإنتاج والتوظيف الأمر الذي ينعكس على الوضع الخارجي.

وكما لاحظنا سابقا أنّ كينز حثّ على ضرورة مساواة الادخار مع الاستثمار لتحقيق التوازن في اقتصاد مغلق وحتى إن كان بهذا الاقتصاد حكومة وتجاوز الاستثمار الادخار فلا يتخوف كينز من ذلك طالما أنّ الضرائب أكبر من الإنفاق الحكومي بمقدار زيادة الاستثمارات على المدخرات.

       أما في حالة الاقتصاد المفتوح فإنّ التوازن يتحقق عندما يتساوى الفرق بين عناصر الحقن والتسرب الداخلية، مع صافي التعامل مع العالم الخارجي، وهذا ما نوضحه من خلال المعادلات التالية:

Y =C+S=C+I                    S=I……………………1   

Y =C+S+T=C+I+G              S+T=I+G .... 2.........                                             

Y =C+S+T+M=C+I+G+X      I+G+ X-M  = S+T .........3                 Y: الدخل؛ T: الضرائب؛ G: الإنفاق الحكومي؛ C: الاستهلاك؛ I: الاستثمار؛ M: الواردات؛ X: الصادرات.

وهكذا عندما يتحقق فائض في ميزان المدفوعات فإنّ علاجه يتم ضمن مستويات الدخل والتوظيف في الداخل[22]، أي أنّ الدخل يرتفع وبما أنّه من محددات الطلب الكلي، فإنّ الطلب المحلي على السلع المحلية والمستوردة يرتفع مما يؤدي إلى رفع حجم الواردات لكن من ناحية أخرى قد يؤدي ارتفاع الطلب إلى ارتفاع الأسعار في الداخل مما يؤدي إلى تراجع الطلب الخارجي على الصادرات، وهكذا حتى يصل ميزان المدفوعات إلى نقطة التوازن وهذا حسب قيمة ومدى فعالية مضاعف التجارة الخارجية، كما أنّ حدوث عجز في ميزان المدفوعات سيؤثر كذلك على الوضع الداخلي، حيث ينخفض الدخل وتتراجع الأسعار مما يؤدي إلى نقص الطلب المحلي على الواردات وفي نفس الوقت يتزايد الطلب الخارجي على الصادرات وهكذا حتى يصل ميزان المدفوعات مرة أخرى إلى نقطة التوازن  من جديد.

       مما سبق يتضح أنّ كينز في تحليله للتوازن الخارجي افترض مرونة كل من الطلب الداخلي على الواردات والطلب الخارجي على الصادرات بالإضافة إلى مرونة عرض عوامل الإنتاج، وهكذا فإنّ تغيّرات مستويات الإنتاج في النظرية الكنزية تحلّ محلّ تغيّرات مستويات الأسعار وأسعار الفائدة عند الكلاسيك وبمعنى آخر أنّ معالجة موضوع التوازن الخارجي عند كينز تمت نوعا ما بمعزل عن السياسة النقدية عكس الكلاسيك. ونخلص في الأخير أنّ المعالجة الكنزية لفكرة التوازن بشقيه الداخلي والخارجي إنّما تتم من خلال تغيّرات الدخل الوطني، كما أنّ استمرار التوازن الاقتصادي يتوقف على دقة وصحة توقعات المنظمين التي تسمح بتساوي كل من الطلب المتوقع والفعلي.

       بعد استعراضنا لموضوع التوازن الاقتصادي عند كل من التقليديين والكنزيين اتضح أنّ كل منهما عالج التوازن الداخلي بمعزل عن التوازن الخارجي دون الربط بينهما إلاّ كمتغيّرات تابعة لتغيّرات مستويات الأسعار وسعر الفائدة عند الكلاسيك أو لتغيّرات مستويات الدخل عند الكنزيين وعندها ينصح الكلاسيكيون بالسياسة النقدية في حين فيما يؤمن الكنزيون بالمواءمات التي تحدثها تغيّرات الدخل الوطني وهكذا يهملون التعارض الذي قد يكون قائما بين السياسات  التي تعمل على تحقيق التوازن الكلي حيث تعقد السياسة التي تحقق التوازن الداخلي مشكلة التوازن الخارجي كما يمكن أن تؤدي السياسة التي تلزم لتحقيق التوازن الخارجي إلى تعقيد مشكلة التوازن الداخلي.

       بعد تعرضنا لمعالجة التوازن الاقتصادي عند كل من الكنزيين والتقليديين، سنحاول التعرض في النقطة الموالية لموضوع التوازن عند جيمس ميد أي معالجة فكرة توازن الادخار والاستثمار على النحو التالي.

33- - التوازن عند جيمس ميد J.MEAD

       لقد لاحظ جيمس ميد أنّ السياسات التي تعمل على تحقيق التوازن الداخلي لن تترك التوازن الخارجي كما هو، نظرا لارتباط الأهداف الاقتصادية ببعضها البعض، ذلك أنّ محاولة تحقيق التوازن الداخلي باستخدام بعض الأساليب قد يكون عاملا مساعدا لتحقيق التوازن الخارجي. وبهذا بحث جيمس ميد عن الحالات المختلفة التي يمكن من خلالها انتقاء السياسات المناسبة لتحقيق التوازن الاقتصادي، بحيث تعمل على تحقيق أعلى درجة من التوافق في اتجاه كل من التوازن الداخلي والخارجي، أو على الأقل لا تعمل بحيث يؤدي إلى معالجة أحد التوازنيين وتعميق اختلال الأخر[23].

       وسنحاول أن نتعرض لفكرة توازن الادخار والاستثمار عند جيمس ميد على النحو التالي:

3-1-توازن الادخار والاستثمار

       يرى جيمس ميد أنّ الادخار والاستثمار كميات منفصلة عن بعضها البعض، ولا يتحقق التوازن بينهما إلاّ إذا استهدف في ظل السياسات المالية والنقدية الرامية لذلك. كما تنشد في ذات الوقت تحقيق توازن مع العالم الخارجي لاستكمال الصورة العامة للتوازن الاقتصادي.

       يتفق ميد مع كينز عند انطلاقه في معالجة التوازن حيث كل من الاثنين ينطلق من وضع عدم التوازن بهدف متابعة أكثر التطوّرات و التفاعلات الناتجة بين مقادير الكميات الاستثمارية والادخارية، بهدف الوصول إلى التوازن المنشود، حيث ينطلق ميد من وضع الانكماش أي النقص الحاصل في الإنفاق الكلي في ظل ظروف تتسم أساسا بوجود مرونة في أسعار الفائدة التي يمكن أن تشجع على الاقتراض والاستثمار في الوقت نفسه والانكماش عند ميد يقصد به الحالة التي يرتفع فيها الادخار الفعلي عن الاستثمار المتوقع.

كما قد تكون نقطة البداية عند جيمس وضع الرواج الذي يقصد به الزيادة الحاصلة في الإنفاق الكلي عما تسمح به ظروف العرض المتاح وعندها يكون الادخار الممكن أقل من الاستثمار الفعلي.

       مما سبق يتضح أنّ رؤية ميد لدور سعر الفائدة لا يختلف كثيرا عن دورها عند كينز، من ناحية تأثيرها في معدل الاستثمار، غير أنّ القرارات الاستثمارية التي يتخذها الرأسماليون غالبا ما لا تتأثر بسعر الفائدة وخاصة في الأمد القصير، أما في الأمد الطويل تتأثر تلك القرارات بمعدل الاستثمار، الذي يتأثر هو الآخر بالتقدم الفني واكتشاف موارد جديدة وبصفة عامة تتأثر هذه القرارات بمختلف السياسات التي من شأنها التأثير في مجرى الاستثمار.

       وأخيرا وبعد تحديد نقطة البدء من طرف ميد(MEAD) فقد استعرض جملة من السياسات الملائمة لكل انطلاقة، ففي حالة الانكماش يستخدم السياسة المالية والنقدية التوسعية، وسياسة تعديل الأسعار الرامية إلى زيادة الاستثمار بهدف إحداث التوازن بين الادخار والاستثمار.

أما في حالة الرواج فإنّه يتبع السياسة الانكماشية للتقليل من الإنفاق الكلي من خلال الإنفاق الاستهلاكي والحكومي.

       وأخيرا ونظرا لارتباط الأهداف الاقتصادية ببعضها البعض وبهدف تحقيق التوازن الاقتصادي الكلي يجب استخدام الطرق والأساليب التي تساعد على تحقيق كل من التوازن الداخلي والخارجي حيث أنّ الإبقاء على أحدهما في حالة عدم توازن سوف يبعدنا عن الوضع الأحسن والأفضل، ويبقى الاقتصاد في حالة رفاهية أقل مما يكون عليه فيما لو كان عند وضع التوازن.


[1] مبارك حجير، التوازن الاقتصادي وإمكانياته للدول العربية، مكتبة الأنجلو مصرية، بدون سنة نشر ص51.

[2] نعمت الله نجيب إبراهيم، أسس علم الاقتصاد، للتحليل الجمعي – جامعة الإسكندرية-، 2000، ص22.

[3] دانيال أرلوند، تحليل الأزمات الإقتصادية، ترجمة عبد الأمير شمس الدين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1992، ص141.

[4] صقر أحمد صقر، النظرية الإقتصادية الكلية، وكالة المطبوعات، الكويت، 1988، ص115.

[5] مبارك حجير، التوازن الإقتصادي، المرجع السابق، ص132.

[6] فايز إبراهيم الحبيب، نظريات التنمية والنمو الإقتصادي، جامعة الملك سعود، الرياض، 1985، ص78.

[7] مايكل ابدجمان، الاقتصاد الكلي النظرية والسياسة، دار المريخ للنشر، الرياض، ترجمة محمد إبراهيم منصور، 1988، ص29.

[8] صقر أحمد صقر، مرجع سابق، ص31.

[9] سامي خليل، اقتصاديات النقود والبنوك، شركة كاظمة للنشر والترجمة، الكويت، 1982، ص193.

[10] رفعت المحجوب، الطلب الفعلي مع دراسة خاصة بالبلاد الآخذة في النمو، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971، ص10.

[11] فايز إبراهيم الحبيبي، المرجع السابق، ص20.

[12] محمد خليل برعي، مقدمة في الاقتصاد الدولي، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، 1982، ص98- 100.

[13] فؤاد هاشم عوض، اقتصاديات النقود والتوازن النقدي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1984، ص11.

[14] علي لطفي، إيهاب نديم، مبادئ التحليل الإقتصادي الكلي، مكتبة عين الشمس، 1996، ص89.

3- نفس المرجع، ص107.

[16] سامي خليل، اقتصاديات النقود والبنوك، مرجع سابق، ص198.

[17] المرجع نفسه، ص236.

[18] ضياء مجيد موسوي، النظرية الإقتصادية- التحليل الاقتصادي الكلي-، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، 1994، ص194.

[19] صقر أحمد صقر، النظرية الإقتصادية الكلية، المرجع السابق، ص184.

[20] رفعت المحجوب، الطلب الفعلي، المرجع السابق، ص80.

[21] نفس المرجع، ص82.

[22] محمد زكي شافعي، مقدمة في العلاقات الاقتصادية الدولية، دار النهضة العربية، 1977، ص133.

[23] فؤاد هاشم عوض، المرجع السابق، ص ص 30. 33.