بسم الله الرحمن الرحيم (يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } العلم درجات: أولها الصمت، والثانية الاستماع، والثالثة الحفظ، والرابعة العمل، والخامسة النشر ***مروان طاهات*** يرحب بكم ويكيبيديا الموسوعة المروانية MANT

الخميس، 30 يونيو 2022

السياسة المالية ودورها في تحقيق التوازن الاقتصادي 2-1

 


 

الفصـــل الثاني:  التــــــوازن

لقد توسع إطار التوازن ولم يبقى توازتا للنفقات والإيرادات في موازنة الدولة العامة يقتصر على إقامة معادلة متعادلة بين النفقات الإدارية اللازمة لتسيير مصالح الدولة من جهة وبين الإيرادات الضريبية من جهة أخرى، وإنما يشمل عناصر أهم وأكبر، كما أنه ليس توازنا رقميا بل هو كيفي ينظر إلى النوع بالإضافة الكم.

إن شرط التوازن بالنسبة للاقتصاد الوطني يتمثل في تحقيق تعادل بين الطلب الكلي والعرض الكلي في ضوء الضغوطات الاقتصادية المتاحة كما أن التوازن الكلي هذا يعتبر محصلة لتوازنات جزئية تتفاعل فيما بينها والمتمثلة في الأسواق السلعية والنقدية والعمالية، والتي يتم الربط والتنسيق بينهما في إطار السياسة الاقتصادية الكلية.

       مما سبق يتضح أنّ نظرية التوازن الاقتصادي وسيلة فعالة لا غنى عنها في تصميم النماذج وتحليل الظواهر الاقتصادية من جهة بالإضافة إلى قدرتها على تحديد المجال المناسب لإحداث الدفعة القوية ومتابعتها وتوجيهها على أفضل وجه من جهة أخرى.

       لذا أصبح على السياسة المالية أن توازن مالية الدولة بما يتفق ويتلاءم مع توازن الاقتصاد الوطني كما أصبح التوازن متعدد الوجه، تزداد أنواعه كلما اتجهنا من النظرية الكمية للتوازن إلى النظرية النوعية له.

       وعليه سنتناول في هذا الفصل موضوع التوازن الاقتصادي من خلال المباحث التالية:

المبحث الأول: التوازن في الفكر الاقتصادي؛

المبحث الثاني: التوازن الكلي في النظام الاقتصادي؛

المبحث الثالث:العلاقة بين التوازن المالي للموازنة العامة و التوازن الاقتصادي؛

المبحث الرابع: أهمية نظرية التوازن الاقتصادي.

 

 

 

 

المبحث الأول: التوازن في الفكر الاقتصادي

       لقد تطور مفهوم التوازن بشكل ملحوظ بين الفكر التقليدي والفكر الحديث وخلال مراحل التطوّر هذه كان يغيّر التوازن من طبيعته شيئا فشيئا ليحل التوازن النوعي بدل التوازن الكمي وقبل استعراض آراء الاقتصاديين قديمه وحديثه في موضوع التوازن. يجدر بنا أن نتطرق إلى مفهوم التوازن واستعراض مختلف التعاريف التي حظي بها من طرف هؤلاء الاقتصاديين.

1- مفهوم التوازن الاقتصادي

       يعتبر مصطلح التوازن من المصطلحات والمفاهيم القديمة في الاقتصاد، وقد اهتمت النظريات الاقتصادية في الأغلب الأعم من تحليلاتها بتحليل التوازن ومفاهيمه وكيفية تحقيقه.

       ويقصد بالتوازن عموما تعادل القوى المتضادة التي تؤثر في مستوى الظاهرة موضوع الدراسة.

ويزخر الأدب الاقتصادي بنماذج التوازن بشقيه العام والجزئي والتوازن الداخلي والتوازن الاقتصادي الخارجي ومن ثمة التوازن الاقتصادي العام.

ولا يختلف الاقتصاديون فيما بينهم في تحديد المفهوم الاقتصادي للتوازن فيما قد نجدهم يتناولون بطرق مختلفة نوع التوازن المطلوب، ومن ثمة وسائل تحقيقه. إلاّ أنّ المتفق عليه أنّ التوازن بصفة عامة يعرف بأنّه الوضع الذي يتسم بالاستقرار ما لم تتغير العوامل المحددة له. وقد حظي موضوع التوازن بعدة تعاريف نذكر منها:

- التوازن هو الحالة الاقتصادية والمالية التي تتعادل فيها قوى كلية أو جزئية أوكلاهما، إذا ما توفرت شروط وظروف محدّدة بحيث أنّ عدم استمرار إحداهما أو نقصه أو زيادته مع ثبات غيره ممكن أن يؤدي من خلال العلاقات والتأثيرات المترابطة عبر الوحدات الاقتصادية في الاقتصاد القومي إلى اختلال يطول أو يقصر أجله إلى أن تسحدث عوامل مضادة تعمل في عكس الاتجاه المخل ليعود التوازن الاقتصادي سيرته الأولى[1].

- كذلك هناك من يعرف التوازن بأنّه الوضع الذي إذا تعذر الوصول إليه مع عدم وجود أيّ حاجز بالابتعاد سيظل كما هو ما لم يحدث أيّ مؤثرات خارجية تؤدي إلى ذلك ومن ثمة يمكن القول أنّ التوازن هو وضع ثبات نسبي[2]

       وتفسير ذلك أنّه في النظرية الاقتصادية تتم دراسة العديد من الظواهر الاقتصادية كالإنتاج أو التضخم أو البطالة أو العرض أو الطلب.....الخ، وتتم دراسة العديد من المتغيرات والمؤشرات الاقتصادية ذات الصلة بهاته الظواهر وكل متغير يأخذ قيما مختلفة تتغير صعودا أو هبوطا وقد تستقر لفترة معينة عند قيمة معينة أو مستوى معين، وهذه القيم المختلفة تتأثر بعدد لانهائي من المتغيرات والمسببات وإذا لم يتواجد ما يغيّر هذه المؤثرات والعوامل التي تدفع إلى تغيير قيمة المتغير فإنّ هذه القيمة تعرّف بالقيمة التوازنية، وفي النظرية الاقتصادية الأمثلة عديدة كالسعر التوازني، الكمية المتوازنة، الدخل التوازني...الخ.

       سعر التوازن مثلا هو السعر الذي تتساوى عنده الكميات المطلوبة مع الكميات المعروضة في السوق، أو الذي تتوازن عنده قوى الطلب من جانب المشترين مع قوى العرض من جانب البائعين وبالتالي يقال للكمية التي يتحدد عندها ثمن التوازن كمية التوازن.

       كما يعرف التوازن على أنه تلك الحالة التي يمكن أن تبقى دائما طالما لم يحدث أي تغيير في الظروف المؤدية إليها[3].

من هذا التعريف يتضح أنّه ركز على حالة التشغيل الكامل أي صفة الثبات معتمدا في ذلك على الفكر التقيليدي الذي ينطلق من شرط توازن الاستخدام الكامل، هذا بالإضافة إلى بعض الدراسات التي تناولت تحليل مفهوم التوازن الاقتصادي العام بمفهوم الاختلال والتي عرفت اختلال التوازن بأنّه الاختلال بين حجم الموارد المتاحة ذاتيا وبين حجم الاحتياجات الفعلية التي يحتاجها المجتمع أي أنّ الاقتصاد هنا يكون في حالة اختلال توازني إذا ماكان يستخدم موارد أكثر مما يملك في الواقع، حيث أنّ اختلال التوازن الاقتصادي العام ينعكس في مجالين اقتصاديين هما اختلال التوازن الاقتصادي الداخلي واختلال التوازن الخارجي.

       ومن هنا يتضح أنّ التوازن على مستوى الوطني يتحقق عندما يتساوى الطلب الكلي مع العرض الكلي وعندما لا يكون هناك دوافع للتوسع أو الانكماش بزيادة الطلب الكلي أو العرض الكلي خلال الفترة القصيرة.

       وأخيرا نخلص إلى أنّ التوازن مبدأ قديم في الاقتصاد ويرمز عادة إلى توازن الأسواق( السلع والخدمات، النقد، العمالة) سيأتي تفصيل ذلك في المبحث القادم من هذا الفصل.

بعدما تعرفنا على مفهوم التوازن نحاول في النقطة الموالية التعرف على أشكال هذا التوازن.

2- أشكال التوازن

       لقد أخذ التوازن أشكال مختلفة باختلاف وجهة نظر الاقتصاديين له من جهة والهدف المنشود من جهة أخرى ومن هذه الأشكال نذكر ما يلي.

2-1- التوازن الجزئي والتوازن الكلي

       إن نظرية التوازن الجزئي تهتم بدراسة التوازن على المستوى الجزئي أي توازن الفرد أو المؤسسة أو القطاع، حيث أنّ توازن الفرد يتحقق عند تعادل مستخدماته مع منتجاته، أما توازن المؤسسة يتحقق عندما تتعادل إيراداتها مع نفقاتها.

أما التوازن الكلي هو تلك الحالة التي تكون فيها كافة التدفقات والسلع على المستوى الوطني ثابتة أي انعدام صافي التدفقات وبالتالي ضرورة تساوي الادخار مع الاستثمار، ولهذا يتميز التوازن الكلي بقدرته على تتبع مسار المتغيرات الإجمالية في الاقتصاد الوطني والتأثيرات المتبادلة فيما بينها .

       إن شرط تحقيق التوازن الكلي قد يتحقق بالرغم من وجود إختلالات في التوازنات الجزئية شريطة أن تتعادل مجموع الفوائض المنبثقة عن تلك الإختلالات حيث يتجه كل من الإنتاج والتوظيف والأسعار إلى الانخفاض في الاسواق التي تعاني من فائض في العرض، في الوقت الذي يتجه للارتفاع في الأسواق التي تواجه تضخما[4].

2-2- التوازن قصير الأجل والتوازن الطويل الأمد

       يقصد بالأول هو تلك الحالة التي تكون فيها التدفقات ثابتة بحيث لا يكون لها ميل إلى مزيد من التغير على الأقل في الزمن القصير مع إمكانية تغيير المخزون لاحقا، الذي يعمل هو الآخر على تغيير التدفقات مما يؤدي إلى اختلال التوازن السلعي والتدفقي الكامل أي أنّ التوازن في المدى القصير يتجاهل التغيرات السلعية في المدى القصير لضآلتها نسبيا مع مقارنتها مع الحجم الكلي للسلع، أما التوازن الاقتصادي على المدى الطويل يتحقق عندما يكون توزيع مجموع المواد بحيث تصبح الإيرادات الإنتاجية الحدية النسبية متعادلة في جميع الزيادات البديلة من جهة إضافة إلى تمكن المؤسسات من استخدام مواردها في المجالات الأقل تكلفة بحيث يتعادل الناتج العيني الحدي لقيمة كل وحدة نقدية في مجموعها[5].

       ومنه المحافظة على المستوى التوازني للدخل في الزمن القصير تتطلب ضرورة مساواة الادخار مع الاستثمار في حين يتطلب الوصول إلى مستوى التوظيف الكامل في المدى الطويل زيادة استثمار اليوم دائما عن ادخار الأمس[6]، أي مع مرور الأيام يستلزم أن يكون الاستثمار أكبر من الادخار بهدف الوصول إلى التوظيف الكامل.

2-3- التوازن الساكن والتوازن الحركي

       يقصد بالتوازن الساكن هو تلك الحالة التي تستقر عندها قيم المتغيرات موضوع الدراسة أي عدم وجود ضغوط أو قوى تعمل على تغيير تلك القيم لكن هذا لا يمنع من حدوث اختلال بعد مرور الزمن، فقد يختل التوازن في مركزه.

إن هذا النوع من التوازن لم يهتم بتحديد المدى الزمني اللازم لحركة المتغيرات بين الأوضاع التوازنية، كما أن منهجه لا يوفر الثقة في الوصول إلى وضع توازني جديد بل على العكس من ذلك قد تنحرف المتغيرات عن مسارها نحو التوازن الجديد مما قد يؤدي بنا إلى نتائج خاطئة[7]، ونظرا للانتقادات التي وجهت للنوع الأول تمّ استخدام النوع الثاني من التوازن والمتمثل في التوازن الحركي حيث يتحقق التوازن في نظر مستخدمي هذا المفهوم (الحركي) إذا ما توفرت له الظروف والعوامل المناسبة ثم ما يلبث أن يفسح المجال أمام اختلال جديد إثر تدخل عوامل وظروف جديدة محل الاختلال الأول[8]

2-4- التوازن الناقص والتوازن الكامل

        يقصد بالأول هو ذلك التوازن الذي يكون قبل الوصول إلى التشغيل الكامل، أي أن هذا التوازن يتحقق بالرغم من وجود بعض عوامل الإنتاج عاطلة وهذا ما ركز عليه كينز أين قسم التشغيل إلى مستويات واعتبر أن التشغيل الكامل هو واحدا من هذه المستويات  غير أن هذا النوع صعب التحقيق وخاصة في ظل سيطرة الاحتكارات التي تهدف دائما إلى الوصول إلى مستوى من الإنتاج والذي يحقق بدوره أقصى ربح ممكن بغض النظر عن الآثار المترتبة عن ذلك والتي تنعكس على الاقتصاد الوطني.

       وفي حالة ما إذا عجزت آلية السوق على تخصيص الموارد عن طريق تنسيق بين قرارات المنتجين والمستهلكين تجنبا لسوء توزيع الموارد، فهنا تتدخل الدولة لإعادة توزيع الموارد بين مختلف الاستخدامات بصورة تضمن دفع الاقتصاد إلى مركز التوازن، الذي يسمح باستغلال كل الموارد المتاحة وعندها نكون أمام التوازن الكامل.

       مما سبق يتضح أن هذا التوازن الهدف منه هو تحقيق التوازن الاجتماعي.

إن التوازن الاجتماعي للمالية العامة يحقق أغراضه على مستوى التوازن الاقتصادي عندما تستطيع سياسة إعادة توزيع الدخول تحقيق توازن في التوزيع بين مختلف المواطنين والقطاعات في المجتمع فيكون هذا التوزيع على أساس زيادة قدرة الطبقة ذات الدخل الضئيل على الإنفاق ورفع مستواها المعاشي. وفي الوقت نفسه يؤثر ذلك في الحالة الاقتصادية العامة فيزيد من حجم الاستهلاك ويمكن أن يكون عاملا إيجابيا في التأثير في الاقتصاد الوطني بغية إقامة إفتصاد عام.

       بعدما استعرضنا مفهوم التوازن وأشكاله نحاول في هذه النقطة الموالية التعرض إلى المراحل التي مر بها خلال تطوره التاريخي.