كان باحث الإدارة الشهير بيتر دركر هو أول من بشّر بثورة المعلومات Information Revolution وتأثيرها على حقل الاقتصاد والأعمال والاجتماع، وتكلّم بوضوح عن عصر المعرفة Knowledge Age والانقلاب الذي سيحدثه في حياة الناس السياسية والاجتماعية والاقتصادية (وقد حدث هذا بالفعل). ومن أعمال دركر الرائدة والمبكرة، في هذا المجال، كتاب «عصر الانقطاع» The Age of Discontinuity وتترجمه بعض الجهود العربية بعصر التغيير، وفي ذلك الكتاب المنشور عام 1968م، حاول دركر استشراف المستقبل أكثر من أي كاتب آخر سبقه، وسرد فيه التغييرات الاقتصادية والتقنية وتوقعاته للمستقبل، إذ توقع الانتقال إلى عصر المعلومات Information Age، وأن الاقتصاد الأميركي، الذي يقود الاقتصاد العالمي، سوف يتحول إلى «اقتصاد معرفي»، بمعنى أن المعرفةKnowledge (وهي المعلومات التي تحمل هدفًا ملموسًا على واقع الأرض) سوف تقود العملية الاقتصادية بدلاً من الآلة التي قادت الثورة الصناعية منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى نهايات القرن العشرين. اشار الى : إن «عمّال المعرفة» Knowledge Workers هم الذين سوف يقودون الاقتصاد، بدلاً من «عمال العضلات» الذين حرّكوا الآلات والمصانع.
من جهة أخرى أنتج التداخل بين ثورتي المعلومات والاتصال بدوره نظرة جديدة إلى الاقتصاد ونزوعًا إلى اقتصاد وفرة (في مقابل اقتصاد الندرة) متمثلاً فيما بات يعرف اليوم باقتصاد المعرفة Knowledge Economy، وهو نوع من الاقتصاد تكون المعرفة فيه المحرك الأساسي للحركة الاقتصادية وليس رأس المال كما كان في الماضي، فاقتصاد المعرفة يقوم على تراكم المعرفة وليس على تراكم رأس المال، من منظور آخر هو اقتصاد يقوم على المزج بين المعلومات المتاحة عبر شبكات المعلومات الرقمية وبين ملكات الإبداع والابتكار والبحث والتطوير لدى الأفراد؛ وبذلك فاقتصاد المعرفة بشقين آخرين أولهما المعرفة الظاهرة أو الصريحة Explicit Knowledge والمتمثلة فيما تحتويه القواعد المعلوماتية من معلومات ومعارف بمختلف القوالب، والآخر المعرفة الضمنية Tacit Knowledgeوالمتمثلة في قدرات الأفراد على استثمار تلك المعلومات في مزيد من إنتاج المعرفة وتوظيفها في الإنتاج والنمو الاقتصادي. ويبدو اقتصاد المعرفة متاحًا للجميع ومتجددًا ومتداخلاً في كافة قطاعات الإنتاج، لكنه لا يقوم على المعلومة وحدها، وإنما لابد من العنصر البشري القادر على التعلم واكتساب المعرفة الضمنية، الأمر الذي يكفله استثمار الحكومات والأسر والأفراد في مجال تنمية هذه الملكة (التعلم واكتساب المعرفة الضمنية) وإطلاق طاقات البحث والابتكار.