قالتِ: الشَّيْبُ بَدا، قلتُ: أجَلْ،للبحتري
سَبَقَ الوَقْتُ ضِرَاراً، وَعجِلْ
وَمَعَ الشّيبِ، عَلَى عِلاّتِهِ،
مُهْلَةٌ للّهْوِ حِيناً، وَالغَزَلْ
خُيّلَتْ أنّ التّصَابي خَرَقٌ،
بَعدَ خَمسينَ، وَمَنْ يَسمعْ يَخَلْ
أتُرَى حُبّي لِسُعْدَى قاتِلي،
وَإذا ما أفْرَطَ الحُبُّ قَتَلْ
خَطَرَتْ في النّوْمِ، منها خطرَةٌ،
خَطْرَةَ البَرْقِ بَدا ثمّ اضْمحلّ
أيُّ زَوْرٍ لكِ، لوْ قَصْداً سَرَى،
وَمُلِمٍ مِنْكِ، لَوْ حقّاً فَعَلْ
يَتَرَاءَى، والكَرَى في مُقلَتي،
فإذا فارَقَها النّوْمُ بَطَلْ
قَمَرٌ أتْبَعْتُهُ، مِنْ كَلَفٍ،
نَظَرَ الصَّبِّ بِهِ، حتّى أفَلْ
أوْجَلَتْني، بَعْدَ أمنٍ، غِرّتي،
واغترَارُ الأمنِ يَستَدعي الوَجلْ
لمْ أُوَهَّمْ نِعْمَتي تَغْدُرُ بي
غِدْرَةَ الظّلّ سَجا، ثمّ انتَقَلْ
زَمَنٌ تَلْعَبُ بي أحْداثُهُ،
لَعِبَ النَّكْبَاءِ بالرّمْحِ الخَطِلْ
وأرَى العُدْمَ، فَلاَ تَحْفِلْ بِهِ،
عَقْبَةً تُقْضَى، وَكَلماً يَندمِلْ
أكبَرَتْ نَفسِي، وَكُرْهاً أكبرَتْ،
أنْ تُلَقّى النَّيْلَ من كفّ الأشَلّ
وَمِنَ المَعْرُوفِ مُرٌّ مَقِرٌ،
يَلْفِظُ الطّاعِمُ مِنْهُ ما أكَلْ
نَطلُبُ الأكثرَ في الدّنيا، وَقَدْ
نَبْلُغُ الحَاجَةَ فيها بالأقَلّ
وإذا الحُرُّ رأى إعْرَاضَةً
من صَديقٍ، صَدّ عَنهُ، ورََحَلْ
وَأقَلُّ المَكْثِ في الدّارِ، فمَنْ
أمِنَ التّثْقيلَ بالمَكْثِ ثَقُلْ
أخلَقَ النّاسُ الأخيرُونَ، كأنْ
لمْ يُنَبَّوْا جِدّةَ النّاسِ الأُوَلْ
وَلَقَدْ يَكثُرُ، مِنْ إعْوَازِهِ،
رَجُلٌ تَرْضَاهُ مِنْ ألْفِ رَجُلْ
كُلّما أغرَقْتُ في مَدْحِهِمُ،
أغرَقوا في المَنعِ منهمْ، والبَخَلْ
وَمِنَ الحَسرَةِ وَالخُسْرَانِ أنْ
يَحبِطَ الأجرُ على طولِ العَمَلْ
أنَا، مِنْ تَلْفيقِ ما مَزّقَهُ
مُرْتَجُوهُمْ، في عَنَاءٍ وَشَغَلْ
أصِلُ النَّزْرَ إلى النّزْرِ، وَقَدْ
يَبْلُغُ الحبلُ، إذا الحبلُ وُصِلْ
مِنْ لَفَا هَذا إلى مَخْسُوسِ ذا،
وَمِنَ الذَّوْدِ إلى الذَّوْدِ إبِلْ
أتَصَدّى للتّفَارِيقِ، وَلَوْ
أُبْتُ قَوْمي لَتَصَدّتْ لي الجُمُلْ
كَبَني مَخْلَدٍ الغُرّ الأُولى،
رَدَّ مَعرُوفُهُمُ النّاسَ خَوَلْ
أوْ أبي جَعْفَرٍ الطّائيّ، إذْ
يَتَمَادَى مُعْطِياً حَتّى يُمَلّ
وَادِعٌ يَلْعَبُ بالدّهْرِ، إذا
جَدّ في أُكْرُومَةٍ، قلتَ: هَزَلْ
أيِّدُ الأعْبَاءِ، لَوْ حَمّلَه
سَائِلُو القَوْمِ ثَبيراً لحَمَلْ
ذَلّلَ الحِلْمُ لَنَا جانِبَه،
وإذا عَزّ كَرِيمُ القَومْ ذَلّ
يَتَفَادَى مِنْ نَدَاهُ تَالِدٌ،
لَوْ تَرَقّى في الثُّرَيّا مَا وَألْ
نَحْنُ مِنْ تَقرِيظِهِ في خِطَبٍ
ما تَقَضّى، وَثَنَاءٍ ما يُخِلّ
إنْ صَمَتنا لمْ يَدَعْنَا جُودُهُ،
وإذا لمْ يَحسُنِ الصّمتُ، فقُلْ
تَنْتَهي مأثَرَةُ الدّهْرِ إلى
جَبَلٍ، وُسِّطَ في طَيّ الجَبَلْ
حَزَبَ الإخْوَةُ مِنْهُمْ بِعُلا،
نَافَسَتْ نَبْهَانُ فيهِنّ ثُعَلْ
رَابىءٌ يَرْتَقِبُ العَلْيَا، مَتَى
أمكَنَتْه فرْصَةُ المَجدِ اهتَبَلْ
ساحةٌ، إنْ يَعْتَمِدْها يَعترِفْ
ناشِدُ السُّؤدَدِ فيها ما أضَلّ
سُبُلُ الآفَاقِ تَنْحُو نَحوَها،
باختِلافٍ من مَسافاتِ السُّبُلْ
حَيْثُ لا تَبلَى المَعاذِيرُ، وَلا
يَطأُ اليأسُ على عُقْبِ الأمَلْ
وأرَى الجُودَ نَشَاطاً يَعترِي